الحملة العسكرية على إدلب الأهداف والمصير
فبراير 16, 2020 1563

الحملة العسكرية على إدلب الأهداف والمصير

حجم الخط

تمهيد  

تخوض فصائل المعارضة السورية والتنظيمات الجهادية العاملة في منطقة خفض التصعيد، منذ توقيع مذكّرة سوتشي (2018)، معركة مفتوحة في أحد آخر وأهم المعاقل لها. وقد استطاع النظام السوري بدعم جوي وبري من روسيا وإيران خلال أكثر من 15 شهراً، السيطرة على مساحات واسعة من أرياف حماة، إدلب وحلب. 

وحتى منتصف شباط/ فبراير 2020، تكون الحملة العسكرية على محافظة إدلب ومحيطها قد مرّت بخمسة مراحل غير متصلة زمنياً، تفصل بينها أحياناً هدن ووقف لإطلاق النار، وهي كالتالي: 

1. الحملة العسكرية الأولى، والتي بدأت في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018.

2. الحملة العسكرية الثانية، والتي بدأت في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2018.

3. الحملة العسكرية الثالثة، والتي بدأت في 2 شباط/ فبراير 2019.

4. الحملة العسكرية الرابعة، والتي بدأت في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

5. الحملة العسكرية الخامسة، والتي بدأت في 16 كانون الثاني/ يناير 2020.

وقد اقتصرت الحملتين الأولى والثانية على القصف العنيف من سلاح الطيران والمدفعية.

رغم ان هناك فهم مشترك بين تركيا وروسيا حيال تطبيق بنود مذّكرة سوتشي (2018) إلا أن عدم تطبيقها دفع حلفاء النظام السوري إلى الاستمرار في نهج الحسم العسكري كوسيلة لتحويل المكاسب العسكرية إلى مخرجات سياسية.

بدا لاحقاً أن حلفاء النظام السوري باتوا أكثر تمسّكاً بخيار الحسم العسكري، وهو ما اعتبرته تركيا بمثابة نهاية لصيغة أستانا السابقة دون إعلان عن الرغبة بالتخلي عنها. 

في الواقع، تُشكّل الحملة العسكرية على شمال غرب سورية، منعطفاً خطيراً في مستقبل منطقة خفض التصعيد تحديداً والصراع عموماً، بما في ذلك دور وتأثير تركيا فيه، وما يترتب عليه من تداعيات على العملية السياسية في البلاد. 

وقد أدّت الحملة العسكرية منذ بداية مرحلتها الرابعة وحتى الآن إلى نزوح حوالي 896 ألف شخص. ووفقاً لإحصائيات “منسقو استجابة سوريا” فقد بلغ عدد النازحين من ريف حلب في شهر كانون الثاني/يناير وحده حوالي 120 ألف نازح.

وتظهر هذه المعطيات حجم التأثير الإنساني الكبير للحملة العسكرية على إدلب، خاصة وأنها تأتي وسط فصل الشتاء القارس، وفي غياب شبه تام للمستلزمات اللازمة لإيواء النازحين، كما تعكس حجم المخاوف الإنسانية الممكنة لأي عملية واسعة النطاق قد تستهدف ما تبقى من منطقة إدلب، والتي تزيد الكثافة السكانية فيها عن تلك الموجودة في العاصمة دمشق. 

أوّلاً: أهداف الحملة العسكرية  

ليست هذه هي المرّة الأولى التي يلجأ فيها حلفاء النظام السوري إلى خيار الحسم العسكري في منطقة خفض التصعيد، فقد كانت روسيا وإيران على وشك شنّ حملة عسكرية واسعة النطاق في محافظة إدلب ومحيطها في آب/ أغسطس 2018، لكن حال دونها توقيع مذكّرة سوتشي (2018). 

ورغم توقيع المذكّرة، لم تتخلّ روسيا وكذلك إيران عن استخدام خيار الحسم العسكري لتعجيل تحقيق أهدافها السابقة من الحملة والتي ضمّنتها في البنود، بل باتوا أكثر تمسّكاً به مع اتساع رقعة الإنجاز الميداني. 

ومنذ توقيع مذكّرة سوتشي شهد مسار مباحثات أستانا انعقاد أربع جولات خلال فترة تقارب سنة ونصف، مقارنة مع عشر جولات سابقة خلال مدّة مماثلة تقريباً. وقد أدّى تعثّر التوصّل فيها لاتفاق شامل حول وقف إطلاق النار في سورية، إلى قيام الدول الضامنة –وتحديداً روسيا وتركيا– بنقل المباحثات حول نظام وقف إطلاق النار إلى أرفع مستوى؛ أي بما يشمل الرئاسة والخارجية والدفاع والاستخبارات لكلا الطرفين.

يُفسّر ذلك، تراجع وتيرة جولات أستانا على حساب انعقاد مباحثات ثنائية رفيعة المستوى على أرضية بنود مذكّرة سوتشي؛ بحيث أصبح التوصّل لاتفاق حول ملف نظام وقف إطلاق النار ضرورة لدفع بقية ملفات المسار السياسي الثلاثي نحو الأمام.

في الواقع، كانت روسيا تأمل تطبيق مذكّرة سوتشي لحماية مصالحها العسكرية والأمنية في سورية دون تباطؤ –كما يشير لذلك الجدول الزمني للبنود– والسير قدماً ببقية ملفات مسار أستانا. 

وبالتالي، فإنّ لجوء حلفاء النظام السوري بشكل كامل إلى خيار الحسم العسكري، يعكس الرغبة في تحقيق الأهداف السياسية خارج إطار مسار أستانا، وهي: 

• حمل المعارضة السورية على تقديم تنازلات كبيرة في مسار الإصلاح الدستوري، أي القبول –قسرياً- بتعديل الدستور لا تغييره، باعتبار أنّ النفوذ العسكري في الميدان هو تعبير عن موقف وقدرة أطراف الصراع في العملية السياسية.

• تعزيز الحضور العسكري للنظام السوري وحلفائه على أطراف منطقة عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات، على أمل أن يساهم ذلك بتشكيل ضغط إضافي على تركيا لإعادتها إلى حدود اتفاق أضنة (1998) مع النظام السوري. 

• تأمين طرق النقل والعبور الدولية والمحلية بين حلب ودمشق واللاذقية، فروسيا تريد أن يؤدي ذلك إلى استعادة النظام السوري للمظاهر السيادية التي فقدها شمال البلاد، بما فيها المعابر الحدودية لاحقاً، على أمل أن يساهم ذلك تدريجياً في الخروج من الأزمة الاقتصادية أو على أقل تقدير تحقيق تقدّم ملموس في هذا الصدد، لا سيما بعد أن أقرّت الولايات المتّحدة الأمريكية قانون سيزر. 

تأمين التواجد العسكري الروسي في سورية، لا سيما قاعدة حميميم باعتبارها المنفذ الوحيد لروسيا في المياه الدافئة. ولا يُمكن أن يتم إيكال مهمة حماية مصالح روسيا الأمنية والاستراتيجية لتركيا بمفردها وهذا ما يُفسر إصرار روسيا على تطبيق رؤيتها لمذكرة سوتشي أو فرض الحسم العسكري. 

ثانياً: مسار الحملة العسكرية  

تُشير محاور تقدّم النظام السوري وحلفائه طوال فترة الحملة العسكرية على منطقة خفض التصعيد إلى المسار الذي تستهدفه العمليات، والذي يُركّز على:

1. المنطقة العازلة: والتي تركّز العمليات القتالية بشكل كبير على التقدّم في حدودها والسيطرة عليها، رغم سعي النظام وحلفائه لعدم الاكتفاء بها، فيّما يُفسَّرُ هذا التركيزُ بوجود رغبة لدى حلفاء النظام السوري في: 

• تأمين المصالح الأمنية والاقتصادية التي لم تتضمنها المنطقة العازلة. 

• توفير ذريعة للتقدّم مع تحقيق مزيد من الضغط على تركيا؛ بحيث يؤدي رفع سقف المطالب خلال المباحثات الثنائية، إلى تقديم تركيا تنازلات تحافظ لروسيا على ضمانة منفردة على المنطقة العازلة في إطار الواقع الميداني الجديد؛ هذا في حال تم التوصّل إلى تسوية على أرضية مذكّرة سوتشي (2018)

• تضييق الخناق على الفصائل المسلحة بإفقادها أهم المراكز الحيوية العسكرية، المدنية والاقتصادية التي تتضمنها المنطقة العازلة.

2. الطرق الدولية والمحلية: إذ يركّز حلفاء النظام السوري على فرض سيطرة كاملة على عقد المواصلات وأهم ممرات العبور البريّة الرئيسية، بما فيها تلك التي لا تشملها مذكّرة سوتشي (2018)؛ بغرض تقويض قدرة المعارضة على الحركة والإمداد، وفرض السيطرة على مزيد من الملفات السيادية، وتسهيل عملية انتقال قوات النظام، إذ أن قوات الجيش تحتاج إلى الطرق المعبدة أكثر مما تحتاجها الفصائل المسلحة. 

3. المواقع العسكرية: حيث يتم التركيز على فرض سيطرة على المواقع العسكرية في المحافظة، مثل الكتيبة المهجورة، وادي الحامدية، مطار تفتناز، والفوج 46 وغيرهم. وقد استطاع السيطرة على بعضها فيما تعثّر ذلك في مواقع أخرى نتيجة مسارعة تركيا بتأسيس نقاط عسكرية لها فيها لقطع لطريق أمام حلفاء النظام السوري ومحاولة تقويض قدرته وأهدافه منها وهي:

• إحداث مراكز إسناد عسكرية بريّة تساعده على فرض مزيد من التقدم من ناحية تسهيل إعادة توزيع وتجميع القوّات، ورصد المنطقة ناريّاً حيث تُشرف أغلب المواقع العسكرية على مناطق واسعة واستراتيجية مثل الكتيبة المهجورة ووادي الحامدية في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.  

• تضييق الخناق على مناطق عمليات تركيا: وذلك بالسيطرة على ريفي حلب الشمالي والغربي، وغالباً ما لجأ النظام السوري وحلفاؤه إلى أسلوب التقدّم العرضي بعد ضرب الخواصر؛ في ظل التضاريس الجغرافية الوعرة ومساحات عمرانية كبيرة. من شأن هذه السيطرة رصد طرق الإمداد لمنطقة عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات، إلى جانب تأمين جبهات تل رفعت ونبل والزهراء. 

• السيطرة على المعابر الحدودية: يرغب النظام السوري بالسيطرة عليها عسكرياً؛ لكن هذا الأمر يبدو مستبعداً، فالتقدّم الميداني الحالي لا يتيح إمكانية توجّه قوّاته نحو باب الهوى انطلاقاً من محور الأتارب، خصوصاً مع استمرار التعزيزات الدفاعية لقوات الجيش التركي لتكون حائلاً دون تقدمه إلى باب الهوى. 

ثالثاً: تقييم أداء الفاعلين المحليين   

1. الفصائل المسلحة

كان أداء الفصائل المسلّحة خلال الحملة العسكرية ضعيفاً بشكل كبير، ولا يتناسب مع حجم الزخم الذي وفّره حلفاء النظام السوري. وفيما يلي عرض موجز لذلك: 

• لم تتمكن الفصائل من امتلاك رؤية عسكرية شاملة، مما مكّن النظام السوري وحلفاءه من استيعاب قدرات المناورة، وتنفيذ هجمات من الخواصر واستخدام الهجمات الليلية وإشراك القوات الخاصة الروسية وغير ذلك.

• عجزت الفصائل عن التكيّف أو التعامل مع الاستراتيجية العسكرية المتقدّمة للنظام السوري وحلفائه، من حيث توفير دعم لوجستي لمواجهة الهجمات الليلية مثل النواظير وغيرها، إضافة لتنفيذ هجمات مشاغلة في محاور متعددة وبشكل مكثّف. 

• لم تبد الفصائل قدرة فعّالة على الانتقال من الدفاع إلى الهجوم؛ حيث تركّزت محاولات إعادة السيطرة في المناطق التي خسرتها على أسلوب الصدمة في مواجهة رأس الحربة، دون تنفيذ هجمات على الخواصر. 

• عجزت الفصائل عن تحقيق تنسيق عسكري عالٍ فيما بينها عبر غرفة لإدارة العمليات القتالية، فيما حافظت على تنسيق تقليدي في إطار غرفة الفتح المبين. 

• بدا أن هيئة تحرير الشام لم تكن قادرة ولا راغبة في المشاركة الفعّالة في العمليات القتالية، فضلاً عن تسببها في جزء رئيسي مما وصل الحال إليه في إدلب، نتيجة لتقديراتها الخاطئة حول مستقبل المنطقة والانقسامات اللاحقة في صفوفها وتزعزع الثقة في حاضنتها، وتقديمها لمصالحها الذاتية على مصلحة المنطقة ككل. وتسبّبت عدم مشاركتها الفعلية في المعارك الأخيرة بانهيارات متسارعة في العديد من الجبهات التي كانت قطاعات الهيئة تنتشر فيها. 

• لم تكن مشاركة الجيش الوطني ذات فاعلية عالية؛ نظراً لتأخر وصولهم؛ نتيجة للقيود التي فرضتها هيئة تحرير الشام على دخولهم منطقة خفض التصعيد في المراحل الأولى من الحملة العسكرية، وصعوبة ترتيب صفوف المجموعات في جبهات واسعة خلال المراحل الأخيرة. 

• حافظت الفصائل على قدرة معقولة نسبيّاً في المبادرة الهجومية، رغم حالة الضعف المعنوي والعسكري الذي تعاني منه. يُمكن ملاحظة ذلك في العمليات الخاطفة على محور الزهراء غرب حلب وسراقب جنوب إدلب خلال شباط/ فبراير 2020. 

• عوّلت الفصائل من حيث التشكيلات والمقاتلين بشكل مبالغ فيه على دور تركيا العسكري والسياسي في وضع حدّ لتقدّم النظام السوري وحلفائه؛ مما أضعف من فاعلية المواجهة. 

• لم تقم الفصائل بنقل المعارك، من خلال تشكيل وحدات صغيرة ومتوزعة لفتح جبهات متعددة مع النظام. وربما يعود سبب امتناع الفصائل عن القيام بهذا الأمر هو خشيتهم من تأثير هذا الأمر سلباً على الفصائل نفسها، من حيث تشتت جهدها. 

• رغم حالة الإرباك الشديد التي واجهت فصائل المعارضة، إلا أن ذلك لم يمنعها من تكبيد النظام خسائر كبيرة جداً، وقد تكون الخسائر فيها من بين الأكبر في كل المعارك التي دارت بين النظام والفصائل خلال السنوات السابقة. 

2. النظام السوري 

رغم ضعف أداء النظام السوري وحلفائه خلال الحملة العسكرية، إلا أن الإدارة الروسية للعملية جعلها أكثر تخطيطاً وانضباطاً. 

وقد عانى النظام السوري خلال الحملة العسكرية استنزافاً كبيراً في صفوف المقاتلين والعتاد العسكري، رغم محاولته استيعاب الأساليب الدفاعية والوقائية التي قامت بها الفصائل المسلحة.

وقد اتّبع النظام السوري وحلفاؤه استراتيجية عسكرية تقليدية وناجعة في التقدّم والسيطرة قائمة على الأساليب التالية:

• سياسة الأرض المحروقة التي تهدف لقطع خطوط الإمداد العسكرية، وبثّ الذعر بين السكان المحليين للضغط على فصائل المعارضة وتركيا.

• القضم البطيء، لصعوبة السيطرة على المنطقة دفعة واحدة، ولتقليل التكاليف البشرية والعسكرية والاقتصادية للمعركة وإتاحة المجال لإعادة ترتيب الأوراق مجدداً. 

• السيطرة على التلال الحاكمة لتسهيل انهيار دفاعات فصائل المعارضة، وفي حال تعذّر الوصول إلى تلك المرتفعات تبادر قوات النظام السوري لفتح محور و/ أو محاور مشاغلة في مناطق سهليّة. 

• الاعتماد على أسلوب التطويق أو فكي الكماشة في السيطرة على مساحات واسعة، حيث تؤدّي هذه السياسة عادة إلى انسحاب الفصائل من المناطق الواقعة داخل الكماشة خشية من حصارها، وبالتالي يتمكن النظام من السيطرة على كثير من المناطق داخل الكماشة دون معارك حقيقة. 

• الانتقال من أسلوب هجومي لآخر بشكل مرن في حال حصل أيّ تعثّر أو تباطؤ، من قبيل التقدّم في محور سهمي وأحياناً عرضي؛ مثلما جرى في أرياف إدلب وحلب خلال المراحل الأخيرة من الحملة العسكرية. ويمكن القول بأن هذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها قوات النظام على الفصائل المسلحة في مرونة الأساليب الهجومية.

• الاعتماد على الهجمات الليليّة في ظل صعوبة العمليات القتالية خلال النهار. وقد حصل هذا التغير بسبب المشاركة المباشرة للقوات الروسية، والتي تملك التقنيات اللازمة للدخول في مثل هذا النوع من الهجمات.  

• تفتيت واستنزاف القوّة والقدرة الدفاعية لفصائل المعارضة، عبر تنفيذ ضربات متكررة وعنيفة، مع فتح أكثر من محور هجومي بنفس الوقت. 

• استهداف الخواصر الرخوة والمهمّشة، لتحقيق التفاف وخرق في صفوف فصائل المعارضة في ظل تعثّر فتح محاور في كافة الجبهات المحصّنة. 

• فرض حالة من اللامركزية في جبهات القتال، بحيث لا يتأثر محور هجوم في حال تعرّض آخر دفاعي أو بعكس ذلك لعملية معاكسة أو مباغتة من قبل فصائل المعارضة.

رابعاً: موقف القوى الدولية 

1. تركيا 

لم تبدِ تركيا خلال الحملة العسكرية على منطقة خفض التصعيد استعداداً لإعلان انهيار نظام وقف إطلاق النار، بل كانت تصرّ على إحياء مسار أستانا من جديد وعودة قوّات النظام السوري إلى خطوط التماس التي سبقت بدء الاجتياح البري في أيار/ مايو 2019، والمحدّدة في إطار مذكّرة سوتشي. 

كما لم تبدِ تركيا استعداداً لتقديم تنازلات لصالح روسيا عبر تطبيق رؤيتها لمذكّرة سوتشي، فيما يبدو أنّها كانت تعوّل على أداء أفضل من قبل الفصائل المسلحة في إبطاء أو عرقلة أو رفع تكلفة الحملة على النظام السوري وحلفائه، أو على الوقت لتعزيز نفوذها العسكري في منطقة خفض التصعيد لتحسين موقفها خلال المباحثات الثنائية مع روسيا، أي عبر التلويح بالاستخدام الجاد لخيار الحسم العسكري. 

وقد تمكّنت تركيا ضمن معطيات الحملة الحالية من تعزيز تواجدها العسكري في إدلب بشكل كبير، بما منحها تفوقاً عسكرياً غير مسبوق، وعزّز من قدرتها التفاوضية المستقبلية مع روسيا، وقدرتها الفعلية على حماية ما تبقى من منطقة إدلب، ومنحها خيارات التحرك عسكرياً إلى مناطق أخرى في المستقبل في حالة اختراق الاتفاق الذي قد يُرسم مجدداً. 

2. روسيا وإيران

تعاطت روسيا ومن ورائها إيران مع الحملة العسكري باعتبارها المعركة الأخيرة التي يجب فرض الحل من خلالها، مما يُفسّر عدم الاكتراث إلى العتاد والعدّة والموارد التي تم توفيرها بشكل سخي جدّاً، رغم الأزمة الاقتصادية والاستنزاف الكبير في مقدّرات وبنية النظام السوري. 

وغالباً ما نظرت روسيا إلى هدن وقف إطلاق النار على أنّها فرصة لإعادة ترتيب صفوف قوّات النظام السوري في حال أخفقت الجهود الدبلوماسية في إقناع تركيا بتقديم تنازلات حول مستقبل منطقة خفض التصعيد وطبيعة تواجدها في سورية لاحقاً. 

 كما يبدو أنّ تعاطي تركيا البطيء مع استهداف النظام السوري لنقاط المراقبة التابعة لها، شجّع حلفاءه على الاستمرار في سياسة الاستفزاز لمحاولة فرض إطار عسكري وقانوني لتواجد وتأثير تركيا في سورية في إطار اتفاق أمني جديد. 

خامساً: مصير منطقة خفض التصعيد   

السيناريو الأوّل: إعادة إنتاج اتفاق سوتشي

أي توصّل روسيا وإيران وتركيا لقناعة بجدوى العودة للتفاهمات الثنائية كوسيلة لإيجاد حل مستدام لمستقبل منطقة خفض التصعيد، بناءً على مذكّرة سوتشي (2018)، مما يعني إعلان وقف إطلاق نار، يليه مباحثات ثنائية تفضي إلى أحد الاحتمالات التالية: 

• إمّا عودة قوّات النظام السوري إلى حدود منطقة خفض التصعيد قبل بدء الحملة العسكرية، استجابة للشروط والمهلة التي وضعتها تركيا حتى نهاية شباط/ فبراير 2020. 

• أو الإبقاء على الخارطة الميدانية الجديدة، والبناء عليها في تطبيق بقيّة بنود المذكّرة أو أي تعديل عليها، ويُصبح ما تبقى من منطقة إدلب تحت سيطرة تركية مباشرة.

في الواقع، هذا السيناريو لا يعني الاتفاق على كافة التفاصيل دفعة واحدة، بقدر ما يقوم على رغبة روسيا وتركيا في تجنّب الصراع مع حفاظ كل منهما على أكبر قدر من المصالح. لكنّه يحمل في مضمونه ترحيلاً للمشكلة مع احتمال تفاقمها مجدداً في وقت لاحق؛ لا سيما في حال التباطؤ في التطبيق أو اختلاف التصوّر.

السيناريو الثاني: اتفاق أضنة معدّل 

أي قيام تركيا وروسيا بالتفاهم حول شكل معدّل لاتفاق أضنة لعام 1998، بحيث يضمن هذا الاتفاق شرعية للتواجد العسكري التركي في عمق يتوافق مع الاتفاق الأصلي، أو بعمق يزيد عليه. 

وقد يحمل هذا السيناريو عدّة احتمالات في مضمونه أبرزها: 

• إقامة منطقة آمنة شمال الطريق الدولي (M-4) الواصل بين حلب واللاذقية، على أن تتصل حدود المنطقة من إدلب في غرب الفرات إلى شرقه، بصرف النظر إن تم ضم منطقة عين العرب/ كوباني إليها أم لا. 

• إقامة منطقة آمنة تضم المناطق التي حافظت الفصائل المسلحة عليها في منطقة خفض التصعيد، وتمتد لبقية مناطق عمليات الجيش التركي. 

السيناريو الثالث: معركة استنزاف مفتوحة

أي عدم توصّل أطراف أستانا إلى تفاهم مشترك، ما يفتح المجال أمام الدخول في معركة استنزاف مفتوحة سواءً عبر فصائل المعارضة السورية أو بمشاركة الجيش التركي فيها هذا بغض النظر إن كان مدعوماً من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية والناتو أم لا. 

يعد هذا السيناريو هو الأخطر سياسياً، حيث يحمل احتمالات حصول مواجهة بين القوات الروسية والتركية، بكل ما قد يحمل ذلك من تداعيات خطيرة على العلاقة بين البلدين، وعلى المشهد الإقليمي برمته. كما أنه سيعني استمرار المعارك بين النظام والفصائل لفترة طويلة، بما يعنيه ذلك من خسائر بين المدنيين، واستهداف للمدن الواقعة على خطوط المواجهة. 

كما يعدّ هذا السيناريو هو الأسوأ من الناحية الإنسانية، إذ يتوقع أن يؤدي إلى استمرار الارتفاع الحاد في أعداد النازحين، بالتوازي مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين. 

الباحثون