القضية السورية حصاد عام 2018
ديسمبر 30, 2018 1379

القضية السورية حصاد عام 2018

حجم الخط

تمهيد  
شهد عام 2018 تغيرات كبيرة في خريطة السيطرة العسكرية على الأرض، إذ خسرت المعارضة في هذا العام كل مكتسباتها في مناطق الوسط والجنوب، كما خسرت الإدارة الذاتية أحد كنتوناتها الثلاث الرئيسية، وخسر تنظيم داعش مزيداً من الأرض التي كانت تحت سيطرته. 
وجاء النصف الأخير من شهر كانون الأول/ديسمبر لهذا العام محمّلاً بالتغيرات السياسية والميدانية، إذ شهد الإعلان الأمريكي عن نية الانسحاب من شرق الفرات، بكل ما يعنيه ذلك من تغيرات ميدانية وسياسية، إضافة إلى تسارع نقض الدول العربية للعزلة المفروضة على النظام منذ عام 2012. 
ويحاول هذا التقرير رصد أهم التغيرات التي حصلت عام 2018، على مستوى الفاعلين الدوليين والمحليين سياسياً وعسكرياً، وأثر هذه التغيرات على الفاعلين. 
أولاً: الحصاد العسكري  
ساهمت التحولات السياسية والعسكرية بإعادة رسم خريطة السيطرة في عام 2018، حيث طرأت تغيرات على صعيد حدود ومواقع ونفوذ القوى المحلية. كان النظام السوري المستفيد الأكبر من جملة الأحداث بفعل الدعم المباشر المقدّم له من حلفائه الدوليين وخاصة روسيا وإيران، وبفعل عوامل سياسية دولية حالت دون تقديم الدعم لمعارضيه. 
وقد وسّع النظام من نسبة سيطرته إلى 60%، بعد أن كانت في نهاية عام 2017 حوالي 52%، في حين تراجعت نسبة سيطرة المعارضة المسلحة من 13% إلى حوالي 10%، أما قوات سورية الديمقراطية فقد رفعت نسبة سيطرتها من 25% إلى 27.5%، في حين تراجعت نسبة سيطرة تنظيم داعش إلى الحد الأدنى منذ نشأته واقتربت من حدود 1.5%، بعد أن كانت حوالي 7% في نهاية 2017. 
أ. شمال غرب سورية 
1) معركة شرق سكة الحجاز
في 9 كانون الثاني/ يناير 2018، بدأت قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها عملية عسكرية للسيطرة على منطقة شرق سكة الحجاز الممتدة على أرياف حلب وإدلب وحماة، علماً أنها تخضع لمذكرة خفض التصعيد الرابعة التي توصل إليها الجانبان الروسي والتركي في 15 أيلول/ سبتمبر 2017، وعلى الرغم من ذلك لم يعلن أي طرف دولي أو محلي انهيار العمل بموجب الاتفاق. وفي الأول من آذار/ مارس 2018، فرض النظام السوري سيطرته الكاملة على المنطقة، لكنه لم يكتفِ بالمواقع التي تقدم إليها، وزحف عبر عدّة محاور باتجاه طريق دمشق – حلب الدولي، إلا أن فصائل المعارضة أعلنت في 11 كانون الثاني/ يناير 2018، عن تشكيل غرفتي عمليات للتصدي للنظام، حملت الأولى اسم "ردّ الطغيان" والتي كان من الواضح أنها تلقت دعماً لوجستياً واسعاً من تركيا، والثانية "وإن الله على نصرهم لقدير". 
كان النظام السوري بدعم من روسيا وإيران غالباً ما يريد من وراء تلك العملية توسيع نطاق سيطرته الكلية في خارطة النفوذ العسكري على مستوى الفاعلين، لأن من شأن ذلك أن ينعكس على طبيعة المسار السياسي، ورغبته أيضاً في الوصول إلى طريق دمشق – الدولي، من أجل تأمين الخط التجاري وتأمين نقطة انطلاق عسكرية باتجاه عمق محافظة إدلب في حال وجدت إرادة لاحقة لشن عمليات عسكرية لاستعادة السيطرة على المنطقة. 
2) معركة غصن الزيتون  
في 20 كانون الثاني/ يناير 2018، أعلنت تركيا وبمشاركة قوات الجيش السوري الحر عن إطلاق عملية عسكرية في عفرين شمال غرب حلب، بغرض إنهاء وجود وحدات الحماية الكردية والتي تعدّها أنقرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني من المنطقة. وبالتزامن مع إطلاق العملية التي حملت اسم "غصن الزيتون" أعلنت وزارة الدفاع الروسية سحب كامل جنودها من المنطقة. وفي 24 آذار/ مارس 2018، أي بعد شهرين من انطلاق العملية أعلنت القوات المسلحة التركية فرض سيطرتها الكاملة على منطقة عفرين بعد انتزاع ما بقي من مواقع لوحدات الحماية الكردية فيها. 
ومع السيطرة على منطقة عفرين أصبحت تركيا تبسط نفوذاً عسكرياً مباشراً على حوالي 5 آلاف كم مربع من الأرض السورية. 
وكان من الواضح خلال معركة غصن الزيتون في عفرين، الموقف الصامت أو ما يعرف بسياسة النأي بالنفس من قبل الولايات المتحدة، والذي كان بمثابة ضوء أخضر بالنسبة لتركيا في انطلاق العملية بدون وجود تعارض مع مصالح أو سياسات واشنطن. 
3) منطقة خفض التصعيد 
في 17 أيار/ مايو 2018، أتمت تركيا نشر نقاط المراقبة الاثنتي عشرة في منطقة خفض التصعيد الرابعة الممتدة على محافظة إدلب ومحيطها في الشمال السوري، وجاء ذلك بعد أن كانت أنقرة تمتنع عن إتمام هذه العملية، وبالمقابل ضغطت موسكو باستمرار عليها من أجل تسريع التسوية في منطقة خفض التصعيد.  
وغالباً ما كان التجاذب بين تركيا وروسيا حول حيثيات مذكرة خفض التصعيد في الشمال السوري، يعكس وجود مقاربة مختلفة لدى كل منهما حول ترسيم حدود التماس ومواقع انتشار نقاط المراقبة التركية. وقد سعت روسيا لفرض سياسة الأمر الواقع من أجل السيطرة على شرق سكة الحجاز، وبدورها تركيا اتبعت نفس الأسلوب في نشر نقاطها في محيط الطريق الدولي M-5 الواصل بين حلب ودمشق. وساعد وجود نقاط المراقبة التركية في ضبط العمليات الهجومية لفصائل المعارضة السورية والمجموعات المسلحة الأخرى في محافظة إدلب. 
4) اتفاق الفوعة وكفريا 
في 18 تموز/ يوليو 2018، توصّلت الأطراف المعنية باتفاق المدن الأربع لصيغة نهائية يقضي بإجلاء جميع سكان بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين الواقعتين في محافظة إدلب، مقابل خروج 1500 معتقل ومعتقلة من سجون النظام السوري بينهم 40 معتقلاً من مقاتلي هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سورية وجيش إدلب الحر. وغالباً ما تم الاتفاق تحت مظلة تركيا باعتبارها الضامن لفصائل المعارضة السورية في منطقة خفض التصعيد شمال البلاد، حيث ساهم الاتفاق بجعل هذه الأخيرة خالية من أي تواجد لقوات النظام والميليشيات المتحالفة معه. 
ويُمكن الاعتقاد أن تركيا قد بذلت جهوداً كبيرة من أجل التوصل لصيغة نهائية حول اتفاق المدن الأربع، وذلك بغرض تحقيق توازن في الميدان يخفف عنها الضغط من قبل روسيا التي تنظر إلى اتفاق خفض التصعيد على أنه لم يلبَّ جميع مصالحها وأهدافها. بمعنى أن تركيا ربّما عملت على تحييد موقف إيران عن روسيا، ويبدو أن طهران اضطرت للاستجابة إلى مطالب أنقرة واللجوء إلى إعادة تموضعها في الشمال السوري وتحديد أولوياتها بسبب وضعها الداخلي غير المستقر والضغوط الممارسة عليها بخصوص دورها في المنطقة. 
5) المنطقة العازلة منزوعة السلاح
في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن انتهاء تشكيل المنطقة العازلة في منطقة خفض التصعيد شمال سورية، وذلك بموجب الموعد المحدّد وفق ما نصّ عليه اتفاق سوتشي الذي تم توقيعه بين الدولتين الضامنتين تركيا وروسيا في 17 أيلول/ سبتمبر 2018.
وتتعرّض المنطقة العازلة منذ إنشائها لخروقات مستمرة من قبل النظام السوري وحلفائه، مع خروقات أقل من طرف بعض الجماعات المسلحة في محافظة إدلب.
ب. شرق سورية 
شهدت المنطقة الشرقية في سورية عدداً من الأحداث الميدانية المهمة خلال عام 2018، وكان لها أثر واضح على المشهد العام في سورية، وفيما يلي عرضاً موجزاً لها: 
1) فكرة تشكيل قوة حدودية 
في 14 كانون الثاني/ يناير 2018، قال التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إنه يعمل على تشكيل "قوة أمنية حدودية" قوامها 30 ألف مقاتل تخضع لقيادة قوات سورية الديمقراطية وأن المرحلة الأولى تتضمن تدريب 230 شخصاً، على أن تنتشر هذه القوة على الحدود السورية مع تركيا والعراق بالإضافة إلى خطوط التماس مع النظام السوري شرق الفرات. 
وبدورها تناقلت مصادر إعلامية تركية أخباراً مفادها أن أنقرة حصلت على تقرير صادر من وزارة الدفاع الأمريكية، يشير إلى قرب إتمام تشكيل "قوة أمنية حدودية" من قوات سورية الديمقراطية التي تقودها وحدات الحماية الكردية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، على أن يتم تخصيص 250 مليون دولار لدعمها، ومبلغ آخر يماثله تقريباً لدعم الاستقرار في مناطق سيطرة قسد. وساهم هذا الإعلان في تصعيد نبرة الخلاف بين واشنطن وأنقرة ومزيداً من الثقة المتزعزعة بين الشريكين في حلف شمال الأطلسي، وسارع البنتاغون للإعلان بأن الإدارة الأمريكية تتفهم مخاوف تركيا إزاء "القوة الأمنية الحدودية" وأكد أن هذه القوة ليست جيشاً جديدًا، أو حرس حدود تقليدي، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد حينها بأن بلاده سوف تنهي هذه القوة قبل نشوئها. 
وفي أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، عادت تقارير إعلامية للحديث عن عزم القوات الأمريكية على تدريب 30 ألف مقاتل من قوات سورية الديمقراطية دون الإشارة إلى "القوة الحدودية"، وفتح ذلك المجال لعودة التصعيد من جديد بين الطرفين. 

2) استهداف أمريكي لقوات النظام وحلفائه
في 13 شباط/ فبراير 2018، قامت القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة الشدادي جنوبي الحسكة، بإطلاق صاروخين باتجاه ريف دير الزور الشرقي، حيث المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري، على إثر معلومات عن حشود عسكرية للواء الباقر وقوات فاغنر الروسية، من أجل شن هجوم على حقل كونيكو قرب بلدة خشام وهو أكبر حقول النفط في سورية. وأدى الاستهداف إلى مقتل وجرح المئات، وكان رد واشنطن بمثابة رسالة تحذيرية لروسيا ولإيران، اللتين بدا وكأنهما تريدان خلق حالة من عدم الاستقرار في المناطق التي تنتشر فيها الولايات المتحدة، أكثر من وجود نية حقيقية لهما في السيطرة على حقل النفط، وإضافة لذلك يُمكن الاعتقاد أن موسكو كانت ترغب في تحقيق مكاسب سياسية عبر دفع واشنطن للعودة إلى طاولة المفاوضات، وبما يؤدي إلى صياغة مذكرة تفاهم أو خارطة طريق مشتركة لحل الملفات الإشكالية بينهما. 
3) معركة عاصفة الجزيرة
في 1 أيار/ مايو 2018، أعلنت قوات سورية الديمقراطية عن إطلاق المرحلة الثالثة من معركة "عاصفة الجزيرة"، بهدف تأمين الحدود السورية-العراقية، والقضاء على جيوب تنظيم داعش المتبقية شرقي نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي والحسكة الجنوبي، إلا أن جهود قسد تعرقلت في تحقيق إنجاز ميداني على الرغم من الدعم الجوي والمدفعي الذي قدمه التحالف الدولي وسلاح الجو العراقي. 
وفي شهر آب/ أغسطس، تم استكمال العمليات العسكرية على معاقل تنظيم داعش، واستطاعت قوات سورية الديمقراطية السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع العراق وإنهاء سيطرة التنظيم في هذا الجيب. وفي 10 أيلول/ سبتمبر، أطلقت قسد المرحلة الأخيرة من عاصفة الجزيرة، للسيطرة على آخر معاقل تنظيم داعش شرق الفرات والذي بات يُعرف باسم "جيب هجين"، واستمرت المعارك المحتدمة مدة ثلاثة أشهر كانت تحرز فيها قسد في بعض الأحيان تقدماً ملحوظاً وفي أحيانٍ أخرى تخسر ما أنجزته لصالح تنظيم داعش، وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر استطاعت قوات سورية الديمقراطية السيطرة على بلدة هجين أبرز وأكبر البلدات في الجيب الأخير الذي يسيطر عليه تنظيم داعش في شرق سورية. 
4) معركة شرق الفرات
في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده أكملت الخطط والاستعدادات لشن عمليات واسعة النطاق شرق الفرات بسورية ضد وحدات الحماية الكردية. وجاء هذا التصريح بعد يومين من قيام المدفعية التركية بقصف مواقع وحدات حماية الشعب بالقرب من منطقة عين العرب شرق محافظة حلب، وهي المرّة الأولى التي يقوم فيها الجيش التركي بمثل هذا الاستهداف. وعلى الأرجح فإن عمليات القصف التي شهدتها المنطقة تأتي ضمن إطار استطلاع الأهداف المحتملة شرق الفرات، وبنفس الوقت هي رسالة لمعرفة ردود الفعل بالنسبة للفاعلين المتواجدين فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة. 
وفي 12 كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزم بلاده شنّ عملية عسكرية في سورية شرقي الفرات خلال أيام، وفي 21 من الشهر نفسه، أعلنت الولايات المتحدة أنها بصدد سحب قواتها العسكرية من سورية بعد الانتقال إلى المرحلة التالية من الحملة ضد تنظيم داعش، ويأتي هذا القرار بعد حوالي أربع سنوات ونصف من إعلان إدارة الرئيس باراك أوباما قرار التدخل في سورية والعراق لمحاربة التنظيم. 
وبدورها سارعت الرئاسة التركية للإعلان عن وجود اتفاق بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي للتنسيق بين البلدين لمنع حدوث أي فراغ مع انسحاب القوات الأمريكية من سورية. ولفت هذا الإعلان الأنظار إلى احتمال توصّل الطرفين لاتفاق قبيل قرار الانسحاب، خصوصاً وأن الفترة السابقة أظهرت رغبة شديدة لدى كل منهما بالعمل على إعادة بناء الثقة المتزعزعة جراء اعتبارات سابقة يزعم فيها كل طرف انتهاج سياسة غير مسؤولة تجاه الآخر.
ج. جنوب سورية
شهدت جبهات جنوب سورية تغيرات دراماتيكية في عام 2018، يُمكن توزيعها على ثلاثة جوانب رئيسية أحدها يخص سيطرة النظام وحلفائه على كامل المنطقة الجنوبية وإخراج فصائل المعارضة منها، والثاني يشمل التطورات التي شهدتها محافظة السويداء. 
1) معركة الجنوب السوري 
في 22 شباط/ فبراير 2018، فتحت روسيا ملف المصالحات في الجنوب السوري، من خلال عقد مركز حميميم للمصالحة اجتماعاً في مدينة درعا حضره مندوب المركز عن المنطقة الجنوبية وهو الأدميرال الروسي كوليت فاديم، إلى جانب عضو لجنة المصالحة التابعة للنظام السوري عواد السويدان، وممثلين آخرين عن لجان المصالحة في عدد من القرى، وفي 22 حزيران/ يونيو 2018، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انتقال بلدات داما والشياح وجزء من قرية جدل إلى نظام المصالحات، وترافق ذلك مع بدء هجوم بري على عدد من المحاور في محيط تلك البلدات الواقعة شرقي محافظة درعا، وبالتالي كان هذا الإعلان بمثابة إعلان بدء معركة الجنوب السوري والتي انتهت بسيطرة النظام على كامل محافظة درعا والقنيطرة في 30 تموز/ يوليو. 
2) التصعيد في محافظة السويداء: 
في 30 نيسان/ أبريل 2018 وافق تنظيم داعش على الخروج من جنوب دمشق باتجاه بادية السويداء وتسليم المنطقة لقوات النظام السوري، وكان لافتاً إصرار هذا الأخير على اختيار بادية المحافظة الشمالية الشرقية بدلاً من نقلهم إلى بادية تدمر وسط البلاد. 
ويبدو أن روسيا حاولت الاستثمار في خلق جيب لتنظيم داعش في محافظة السويداء، بغرض تطويع مشايخ العقل والوجهاء لتحديد مستقبل المنطقة والتوصل إلى تسوية تتناسب مع مصالح روسيا ووجودها الاعتباري في سورية. وكان وفد من مركز المصالحة في حميميم قد زار في 23 حزيران/ يونيو 2018 محافظة السويداء واجتمع مع مشايخ العقل والوجهاء لمناقشة مستقبل المنطقة، لكن دون أن يتوصل الطرفان لتسوية، وعاد الوفد الروسي لزيارة السويداء في 22 تموز/ يوليو لكن أيضاً دون نتائج.
وبعد ثلاثة أيام من فشل محادثات الوفد الروسي في السويداء، قام تنظيم داعش بسلسلة هجمات داخل السويداء قتل فيها حوالي 140 شخصاً، لتكون بذلك الهجمات الأكثر دموية في المحافظة على الإطلاق، كما قام في نفس اليوم بخطف 36 امرأة وطفلاً من قرية الشبكي في ريف المحافظة. 
في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، عقد النظام السوري اتفاقاً مع تنظيم داعش أدى لانسحاب هذا الأخير من جيب السويداء نحو بادية تدمر. وجاء هذا الاتفاق بعد أسبوع فقط من إعلان النظام عن توصله لاتفاق آخر مع داعش يقضي بإطلاق سراح المختطفين من أهالي المحافظة لدى التنظيم.
د. وسط سورية  
استطاع النظام السوري في عام 2018، بسط سيطرته الكاملة على جميع المناطق التي كانت خارج نفوذه العسكري والواقعة وسط البلاد، ومنها الغوطة الغربية، القلمون الشرقي، الغوطة الشرقية، جنوب العاصمة وريف حمص الشمالي، وجميع هذه المناطق استعاد السيطرة عليها عبر توقيع اتفاقيات مصالحة وتسوية مع فصائل المعارضة المسلحة مقابل خروج من يرغب من مقاتلي هذه الأخيرة نحو الشمال السوري، وكان لمركز حميميم للمصالحة دور بارز في إتمام عمليات المصالحة. 
ولم يلاقي النظام السوري صعوبة بالغة في استعادة السيطرة على تلك المناطق، حيث وجدت فصائل المعارضة المسلحة نفسها أمام خيارات محدودة بعد أن رُفع عنها الغطاء السياسي الدولي، وكانت الغوطة الشرقية أولى المناطق التي دخلت نظام المصالحات في عام 2018، حيث وقّع مركز حميميم للمصالحة مع حركة أحرار الشام اتفاقاً في 21 آذار/ مارس، قضى بسيطرة النظام على منطقة حرستا في القطاع الأوسط، وبعد يومين فقط من الشهر نفسه، وقّع فيلق الرحمن اتفاقاً مماثلاً أدى لإخلاء القطاع الأوسط من الغوطة من مقاتلي المعارضة وتسليمه للنظام. 
كان جيش الإٍسلام يسعى للبقاء في مدينة دوما على شكل قوة أمن ذاتي تشرف عليها الشرطة العسكرية الروسية، إلا أن موسكو رفضت المقترح وأصرت على تكتيكها المتمثل بتفكيك هيكلية الفصيل وإتباع من يرغب من عناصره بالبقاء على "الفيلق الخامس–اقتحام"، الذي يعتبر مظلة لمقاتلي المعارضة الخاضعين لنظام التسوية ولقوات الدفاع الوطني. واستطاعت موسكو دفع جيش الإسلام لتوقيع اتفاق مصالحة في الأول من نيسان/ أبريل بعد ساعات من قصف النظام السوري لدوما بالسلاح الكيميائي من أجل إجباره على تسليم سلاحه والانضمام إلى نظام المصالحات. 
وبعد ثلاثة أيام من استخدام السلاح الكيميائي في دوما، أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا شنها عدداً من الهجمات المنسقة ضد بعض مواقع تابعة للنظام السوري كرد على استخدام الغازات السامة في دوما. لكن الهجمات لم تؤدّ إلى مقتل أي شخص، لأن الولايات المتحدة كانت قد أبلغت روسيا مسبقاً بالمواقع التي سيتم استهدافها، بما سمح بإفراغها من الأفراد وربما حتى من المعدات في الغالب.

ثانياً: الحصاد السياسي 
شهد عام 2018 جموداً شبه كامل للمسار السياسي، وغابت التحركات الدولية لبثّ الحياة في هذا المسار، الأمر الذي فتح المجال أمام مسار الأستانة ليتحوّل إلى مسار الحل الوحيد، وإن كان مساراً على مستوى الدول الفاعلة لا على مستوى الفاعلين المحليين، بمن فيهم النظام والمعارضة. 
أ. مسار أستانا 
شهد عام 2018، عقد ثلاث جولات من مفاوضات مسار أستانا حول سورية، وكانت الدول الثلاث الضامنة تركيا، روسيا وإيران، تحاول البحث في إيجاد حلّ نهائي للملفات الرئيسية التي يركز عليها المسار وهي عودة اللاجئين، والمعتقلي، واللجنة الدستورية، وقف إطلاق النار، ووضع منطقة إدلب.
كما شهدت نهاية الشهر الأول من هذا العام انعقاد "مؤتمر سوتشي"، والذي يصب عملياً في مسار الأستانة. وحضر المؤتمر حوالي 1200 شخص، أكثر من 90% منهم من وفد النظام السوري، إلا أن مخرجات المؤتمر مثّلت الاتفاق المسبق للدول الثلاث الضامنة. وكانت "اللجنة الدستورية" هي أبرز مخرجات المؤتمر، وكان من المفترض أن تُعلن خلال فترة وجيزة بعده، إلا أن عام 2018 انتهى ولم يتم الإعلان عنها، ولا يُعرف ما إذا كانت ستُعلن أصلاً أم لا. 
وشهدت تركيا في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 انعقاد قمة رباعية، ضمّت إلى جانب الدولة المضيفة كلاً من روسيا وألمانيا وفرنسا، وسعت القمة إلى تقريب وجهات النظر بين رعاة مسار الأستانة وزعماء القارة الأوروبية، بما يمنح المسار قبولاً دولياً أوسع.  
ب. مسار جنيف والتحركات الدولية
دخل مسار جنيف في عام 2018 في مرحلة جمود شبه كامل، ولم تُعقد في هذا العام سوى جولة يتيمة استمرت لمدة يوم واحد دون نتائج. 
وخلال الجولة التاسعة التي عقدت نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2018، رفض النظام السوري ورقة قدمتها خمس دول غربية وعربية باتت تُعرف باسم "المجموعة المصغرة"، دعماً للحلّ السياسي في سورية، تضم مقترحات بشأن الدستور والانتخابات وصلاحيات الرئاسة والحكومة ووضع الأجهزة الأمنية، وذلك وفق القرار الأممي 2254.
وعادت المجموعة المصغرة لتعقد مباحثات جديدة حول سورية في جنيف بحلول منتصف شهر أيلول/ سبتمبر 2018، وتم الإعلان عن مجموعة من المبادئ تشترط على النظام السوري قطع العلاقات مع إيران، لكن هذه المطالب لم تلقَ استجابة أو آلية تنفيذية لتحقيق ذلك. 
ومثّلت تحركات "المجموعة المصغرة" التحرك الدولي شبه الوحيد في إطار الحل السياسي في سورية، على خلاف الأعوام السابقة التي كانت تشهد مبادرات مختلفة. 

ثالثاً: تموضعات الفاعلين المحليين
أ. المعارضة السياسية
كان أداء المعارضة السورية سياسياً في عام 2018 متواضعاً وضعيفاً للغاية، حيث لم يبرز أي دور لها باستثناء مشاركتها في جولات مسار أستانا الثلاث، والتي تتولى الدول الضامنة التفاوض فيها مباشرة. 
ولم يشهد عام 2018 نشاطاً لهيئة التفاوض السورية، ولم تسجل أثراً في المشهد السياسي العام، خاصة في غياب الظروف الدولية المساعدة، وغياب قدرة الهيئة على بلورة قرار داخلي. 
وكان دور الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مماثلاً تقريباً لدور الهيئة، حيث تحوّل إلى منظمة مجتمع مدني متواضعة، إذ يكتفي بإصدار البيانات في المناسبات والأحداث الرئيسية، وتحضر قيادته أنشطة هنا أو هناك، وغالباً ما يكون حضورها بروتوكولياً بحتاً. 
وأعادت حكومة الإنقاذ في الشمال السوري في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2018 تشكيل نفسها بعد عام من الإعلان عن نفسها، واختارت رئيساً جديداً لها بعد استقالة الرئيس السابق. ولم تتمكن الحكومة خلال هذا العام من تحسين مستوى الخدمات أو المحافظة على الأمن، والذي شهد تراجعاً كبيراً هذا العام، إضافة إلى فشلها في إثبات استقلالها وقدرتها على العمل بعيداً عن إرادة هيئة تحرير الشام. 
ب. الفصائل المسلحة
حمل المشهد الفصائلي في عام 2018 سمتين بارزتين: الأول هو تقلص عدد الكيانات التي تجتمع الفصائل ضمنها أو تلك التي تعمل بالتنسيق معها، والآخر استمرار حالة الاقتتال الداخلي وعدم التوصّل لحلول لها. 
مع حلول الأول من آب/ أغسطس 2018، أصبحت الفصائل المسلحة منخرطة فقط ضمن أربع كيانات وهي: الجيش الوطني السوري، الجبهة الوطنية للتحرير، هيئة تحرير الشام وحلف نصرة الإسلام. في الواقع لم يحصل تراجع حقيقي بعدد فصائل المعارضة إنما حصل اصطفاف فرضته الظروف الداخلية والخارجية. 
شهد عام 2018 خمس حالات اقتتال بين هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير في الفترة التي تلت إعلان تشكيل المنطقة العازلة في الشمال السوري وحتى نهاية العام، وسبقها عدد من حالات الاقتتال بين الهيئة وجبهة تحرير سورية وهي أحد مكونات الجبهة الوطنية للتحرير. 
وفي أواخر فبراير\شباط تأسس تنظيم "حراس الدين"،  بعد أن أعلنت هيئة تحرير الشام فك ارتباطها عن تنظيم "القاعدة"،أعلن "الحراس" الانفصال عن "الهيئة" وقام بمبايعة تنظيم "القاعدة" وأعلن ولاءه لأيمن الظواهري، كما وعاد نشاط تنظيم داعش في الشمال السوري خلال هذا العام، حيث وجد التنظيم ظروفاً مناسبة لاستعادة نشاطه بوتيرة متصاعدة، سواءً من حيث الملاذ الجغرافي الآمن في بعض المناطق والبيئة المناسبة التي وفّرها الفلتان الأمني والاستفادة من الصدع الذي وقع داخل هيئة تحرير الشام بالإضافة لاستثمار الحالة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في الشمال السوري، لممارسة نشاطه الفكري والحركي. 
ج. الإدارة الذاتية الكردية
حمل الإعلان الأمريكي نهاية العام عن نية واشنطن الانسحاب من شرق الفرات تهديداً وجودياً لمشروع حزب الاتحاد الديموقراطي، وربما يؤدّي هذا الإعلان إلى تغيّر كامل في خريطة السيطرة، ومعه تغير في المشهد السياسي في سورية والمنطقة. 
ومثّلت خسارة عفرين انتكاسة كبيرة للمشروع الكردي، ولا ترتبط هذه الانتكاسة بالأهمية الجغرافية للمدينة بقدر ما ترتبط بشعور الخذلان من الطرفين الروسي والأمريكي، والذين انسحبا من المدينة قبيل العملية التركية، كما ترتبط بفشل وحدات الحماية الشعبية بالدفاع عن عفرين لفترة وجيزة، رغم كل الخطاب التعبوي الذي كانت تبثّه الإدارة الكردية لأنصارها. 
وشهد شهر آذار/ مارس 2018 إعلان تأسيس "حزب سورية المستقبل" في مدينة الرقة، بدعم سياسي ومالي من الولايات المتحدة. وحاول الحزب أن يُقدّم خطاباً مختلفاً بشكل جذري تقريباً عن الخطاب التقليدي لحركة المجتمع الديموقراطي، إذ قدّم خطاباً وطنياً لا قومياً، وتحدّث بإيجابية عن دول الجوار، وذكر تركيا بالاسم... إلى غير ذلك من السمات الذي حملها الخطاب التأسيسي للحزب. إلا أن الحزب لم يتمكن بعد تسعة أشهر من تأسيسه على إثبات حضوره في المشهد السياسي، واستقلاليته عن أجسام حركة المجتمع الديموقراطي. 
وفي 27 تموز/ يوليو 2018، حاولت قوات سورية الديمقراطية البحث عن واقع جديد بعد أن لوّحت واشنطن بالانسحاب من سورية وتهديد النظام للإدارة الذاتية بخيارين إما اجتياح شرق الفرات أو فتح الباب أمام المفاوضات، حيث قام وفد من قيادة مجلس قوات سورية الديمقراطية بالتوجه لأول مرة إلى العاصمة دمشق وعقد مباحثات مع النظام السوري والقوات الإيرانية، لكن المباحثات لم تنته إلى نتيجة تذكر، وتعرّض المسار إلى عرقلة روسية أدّت عملياً إلى تجميده. 
ومع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2018 عن انسحابها من سورية، سارعت قيادة قسد للعودة إلى فتح باب الاتصال مع النظام السوري من أجل تحديد مصير الإدارة الذاتية، وكذلك توجهت إلى فرنسا في خطوة مماثلة. 
د. النظام السوري 
كان عام 2018 بالنسبة للنظام السوري الأكثر إنجازاً على صعيد المشهد السياسي الداخلي والخارجي، حيث أصدر العديد من المراسيم والقوانين التشريعية وكان أبرزها رقم (10) والذي يجيز إحداث مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي، وقد فتح هذا المرسوم المجال أمام تحذير دولي وأممي حول التداعيات التي سوف يحدثها تنفيذه لاسيما على صعيد التغيير الديمغرافي. ومن بين المراسيم الهامة الأخرى التي أصدرها النظام القانون رقم (31) الخاص بتنظيم ومأسسة الشأن الديني في سورية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ مثل هذه الخطوة. ويضاف إلى المراسيم البارزة الذي يحمل رقم (18) المتعلق بالعقوبات العسكرية. ويُمكن فهم الغرض الرئيسي من إصدار كل تلك القرارات بأنه يندرج ضمن العمل على إصلاح البنية الداخلية للنظام السوري وتطويعها بما يتناسب مع ظروف السيطرة العسكرية ومسار العملية السياسية الروسية، وهذا الأمر يشمل عدّة جوانب منها الحزبي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري. 
وشهد الربع الأخير من هذا العام كسراً للعزلة العربية المفروضة على النظام منذ عام 2012، وكان من أبرز الخطوات في ذلك زيارة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وزيارة الرئيس السوداني عمر البشير في 16 كانون الأول/ ديسمبر، وافتتاح السفارة الإماراتية والبحرينية في 27 كانون الأول/ديسمبر. 

رابعاً: خلاصة
مثّل عام 2018 عام تثبيت الإنجاز الميداني الذي حققته القوى الدولية الداعمة للنظام، حيث عملت على إنهاء "جُزر" المعارضة داخل مناطق سيطرتها، وعملت على ترتيب البيت الداخلي للنظام، من النواحي القانونية والسياسية. 
وتعزّز الإنجاز السياسي لحلفاء النظام ببوادر كسر العزلة السياسية في الربع الأخير من العام، والتي يتوقع أن تتسارع بشكل كبير في الأشهر الأولى من عام 2019، حتى تنتهي تقريباً في منتصفه. 
ويتوقع أن يؤدّي القرار الأمريكي في الأيام العشرة الأخيرة من العام إلى تغيّر دراماتيكي في المشهد السوري برمته، بما سيترك ارتدادات على المنطقة أيضاً. وقد بدأ الفاعلون الدوليون الموجودون في سورية مرحلة التحضير لملء الفراغ الذي سيُحدثه الانسحاب الأمريكي، والذي سينعكس على حجم سيطرتهم المستقبلية، وسيكون ذلك بالضرورة على حساب المشروع الكردي شرق الفرات، والذي يواجه خطراً وجودياً غير مسبوق منذ تأسيسه في عام 2012. 
ورغم فشل أو عدم رغبة الفاعلين في إنهاء تنظيم داعش بالكامل خلال هذا العام، إلا أن التنظيم لم يتمكن من إعادة تنظيم نفسه بعد هزيمة 2017، ولا يبدو على المدى المنظور أنه سيتمكن من ذلك، إلا أنه سيبقى ربما على شكل مجموعات محصورة تؤدي أدواراً وظيفية محدودة. 
وكرّس هذا العام فشل المعارضة المسلحة في تحقيق أي إنجاز ذاتي، إذ خسرت الكثير من سيطرتها على الأرض، وحُصرت في منطقة الشمال المحمية بتفاهم روسي-تركي لا بقوة ذاتية للفصائل. ولم يؤثّر هذا الفشل الذي تعيشه الفصائل المسلحة منذ عام 2015 في وقف اعتراك الفصائل بين بعضها البعض، إذ شكّلت المعارك البينية أبرز الأعمال القتالية التي قامت بها هذه الفصائل خلال هذا العام. 
وانعكس فشل الفصائل المسلحة على فشل للمعارضة السياسية، والتي لم يعد لديها ما تقدمه عملياً، ولم تتمكن حتى من إجراء نقد ذاتي لفشلها، أو حتى مراجعة لخطابها في ظل تغيّر شبه كامل في المعطيات الميدانية والسياسية التي سمحت بإنتاج الخطاب السياسي الذي تستعمله حتى الآن!. 
وكرست مخرجات 2018 على العموم واقع المحاصصة الدولية للقضية السورية، إذ خسر كل الفاعلين المحليين عملياً المزيد من قوتهم، بما في ذلك النظام نفسه، فيما يتقاسم الفاعلون الدوليون المكتسبات السياسية والميدانية بما يخدم مصالح دولهم، وليس مصالح السوريين بشتى انتماءاتهم. 

 

يمكن تحميل الانفوغرافيك بصيغة PDF من خلال الرابط التاليhttps://bit.ly/2EXONNu