الميليشيات العسكرية في نظام الأسد الدور والمصير
أغسطس 07, 2017 1737

الميليشيات العسكرية في نظام الأسد الدور والمصير

حجم الخط
مقدمة
عمل نظام الأسد منذ توليّه السلطة بداية سبعينيّات القرن الماضي على إحكام قبضته على العسكر، إذ أنه استخدم الجيش للوصول إلى السلطة، وآمن أنه لن يغادرها إلا بقوة الجيش أيضاً . واعتمد حافظ الأسد على توزيع السلطات العسكرية والأمنية على أجهزة ومؤسسات متعددة، حتى تضخّمت أعدادها وفروعها، وفتح صلاحياتها لتتداخل بشكل كبير، وتعمل بشكل متقاطع للغاية، وجعل التقاء مخرجاتها لديه مباشرة، دون اتصال فيما بينها، وأسس لحالة صراع دائم بين قيادات تلك الأجهزة للفوز بحظوته. 
وعلى المستوى الأدنى، قام الضباط الكبار بتطبيق النماذج على الضباط الأدنى رتبة بينهم، بحيث تحوّل المجتمع بعد ذلك إلى مجموعة من المتنافسين بينهم لإرضاء النظام، ولو وصل الأمر بأي منهم للوشاية بأقرب الناس إليه، أو حتى بنفسه أحياناً، خشية أن تأتي الوشاية من شخص آخر قبله.
وعندما استلم بشّار الأسد السلطة عام 2000، لم يغيّر في آلية الحكم هذه، لكنّ حنكته كانت أقل، وقدرته على ضبط النموذج الذي أسسه والده لم تكن بفعالية تذكر، بما حوّل الديناميكية التي صنعها الأب لتثبّت حكمة إلى آلية لبقاء النظام نفسه، حيث أدى صراع الأقوياء إلى حالة من التوازن التي تسمح للرئيس الضعيف بالبقاء في منصبه، دون أن يملك واحداً منهم القدرة على الإطاحة بكل الآخرين. 
لكن الحالة الأمنية الاستثنائية التي شهدتها سورية منذ عام 2011 غيّرت من الخريطة الأمنية والعسكرية في البلاد، ودفعت النظام إلى اعتماد آليات مختلفة للتعامل مع الوضع الجديد، بما سمح لمؤسسة الجيش أولاً بالاستمرار حتى اليوم، رغم انشقاق عدّة آلاف من ضباطها، ومقتل مئات آخرين، وخسارتها لأكثر من ثلثي الأرض، بما تحويه من معسكرات وأسلحة، وسمح لها ثانياً بالدفاع عن النظام، وإن كان هذا الدفاع في مستوى لم يسمح بحماية النظام من السقوط، لولا تدخل قوى أجنبية، وميليشيات دون مستوى الدولة تجاوزت في عقيدتها القتالية وتنظيمها مستوى مؤسسة الجيش السوري. 
ومثّلت عملية تفكيك النظام الإداري للجيش أبرز الآليات التي تم اتباعها، حيث سمح الجيش بتحوّل بعض ضباطه إلى قادة ميليشيات لا يحتاجون إلى الالتزام ببيروقراطية الجيش، سواء من حيث سلسلة الأوامر، أو حتى من حيث آليات التعيين والترفيع. 
أفرزت هذه الآلية التي بدأ تنفيذها في منتصف عام 2011 قادة عسكريين وأمنيين جدد، بعضهم من الصف الثاني والثالث من حيث الرتب العسكرية، يديرون ميليشيات أقرب ما تكون إلى مجموعات عسكرية مستقلة، ترتبط تنظيمياً بمؤسسة الجيش أو بأحد الأجهزة الأمنية عبر قائد الميليشيات، وتوظّف في صفوفها المدنيين كمقاتلين، وتمارس المهام العسكرية والأمنية في آن واحد!. 
لكن "المرونة" التي أظهرتها مؤسسة الجيش للتعامل مع الظروف الأمنية المستجدة في عام 2011 وما تلاها، تحوّلت لاحقاً إلى أزمة للجيش والنظام، حيث تحوّلت هذه الميليشيات المستقلة إلى عبء على النظام، وتركت فجوات في داخل حاضنته، وتحوّل قادة هذه الميليشيات إلى "زعماء محليين" ينافسون قادتهم الأعلى رتبة، وتوسّعت طموحاتهم إلى أكثر من مجرد رضا هؤلاء القادة!. 
وإلى جانب الأزمة التي شكّلتها هذه الميليشيات للنظام نفسه، فإنّ فاعلين آخرين أكثر تأثيراً من النظام ذاته، وخاصة الروس، اصطدموا بهذه الميليشيات، وأصبحت تشكّل عبئاً على مشروعهم. 
ويحاول هذا التقرير تسليط الضوء على الدور الحالي للضباط العسكريين والأمنيين الذين أفرزتهم سنوات الأزمة السابقة، والدور المستقبلي الذي يمكن أن يقوموا به في داخل النظام، والسيناريوهات الممكنة للتعامل معهم. 
 
أولاً: الفاعلون الخارجيون يُعيدون ترتيب الأوراق
التدخل الإيراني
في منتصف عام 2012 تم الإعلان عن استهداف خليّة الأزمة بانفجار في مبنى الأمن القومي، أدّى لموت خمسة من أكبر القادة الأمنيين والعسكريين في سورية، في حدث غير مسبوق في سورية في وضع أمني غير مسبوق هو الآخر، حيث كان النظام في أضعف وقت يمر به منذ وصول الأسد إلى السلطة في عام 1970 وحتى اليوم.
لكن التغييب المفاجئ لكبار الضبّاط لم يؤدِ إلى الانهيار الكامل للنظام كما كان متوقعاً، بل على العكس، فإنّ النظام استطاع الثبات في المستوى الذي كان قد وصل إليه، وبدأ منحناه بالصعود ببطئ وبشكل تدريجي في الأعوام التالية، بفضل الدعم الإيراني، والذي بدأ بُعيد تفجير خلية الأزمة.  
عقب تفجير خليّة الأزمة، انتشرت بين الموالين آنذاك إشاعات تفيد بأنّ معظم ضبّاط الخليّة كانوا خونة، في إشارة واضحة من النظام لمواليه بأنّه مازال يمسك بالأمور جيّداً، وأنّه من قام بهذا الفعل. 
كان أبرز المغيبين آصف شوكت صهر الرئيس والذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع، وتولّى لفترة كبيرة ملف التعاون مع الحكومات الأوربيّة والولايات المتحدة الامريكيّة في مجال مكافحة الإرهاب، ويعتبر من أهم أقنية هذه الدول للنفوذ على سلطة بشار الأسد، وآصف شوكت لم يكن يرغب في ابتعاد القرار في سورية عن دائرة الأسد، باتجاه الضبّاط الإيرانيين، ومن المعروف عنه قوة شخصيته وخلافه السابق مع باسل الأسد ومع ماهر الأسد.
وأيضاً، داوود راجحة وزير الدفاع، حيث كانت تربطه علاقة وثيقة مع الروس، من خلال زياراته المتكررة لروسيا، لعقد صفقات السلاح، والعمل الدفاعي المشترك بين روسيا والنظام آنذاك، كما تمّ تجميد العماد علي حبيب قبل التفجير بأشهر، والذي كان يحظى أيضاً بالكثير من الدعم الروسي.
كما تم اغتيال حسن تركماني في التفجير، والذي كان يشغل منصب نائب الرئيس، ورئيس خليّة الأزمة، وتركماني كان رجل تركيّا في نظام الأسد، حيث تنحدر أصوله من تركيّا، وقام بشار الأسد بتعيينه إثر تحسّن العلاقات مع تركيّا بعد فترة وجيزة من وصوله للحكم.
كما قتل في التفجير هشام بختيار، وحافظ مخلوف، وهم من الحرس القديم، ولهم نفوذهم الواسع منذ عهد حافظ الأسد.
جميع هؤلاء الضبّاط، تعودوا على علاقة نديّة مع إيران وروسيا، وكانت لديهم الخطط للتخلص من الاحتجاجات الشعبيّة دون مساعدة من أحد، لكنّهم اصطدموا بضعف شخصيّة بشار الأسد، وارتمائه في الحضن الإيراني منذ عام 2005.
إذاً، كان لابد لإيران من التخلّص من هؤلاء الضبّاط، لتضمن السيطرة الكاملة على القرار في دمشق، وكان لابدّ لها من استغلال هذه الفرصة الذهبيّة لتضع يدها على النظام، حيث تلى تفجير خليّة الأزمة ترتيبٌ جديد للحلقة الأمنية الضيقة من شخصيّات مقربة من إيران، كما حافظت على شخصيّات سابقة كانت إيران على علاقة قويّة معها، كاللواء جميل حسن واللواء ديب زيتونة، الذي أصبح رئيساً لشعبة الأمن السياسي، وعلي مملوك الذي عيّن مكان هشام بختيار كرئيس لشعبة الأمن القومي، ونُقل عبد الفتاح قدسيّة من رئاسة شعبة المخابرات ليصبح نائباً لعلي مملوك، وترأس شعبة المخابرات اللواء علي يونس لفترة وجيزة، حيث حلّ مكانه العميد محمد شحادة الشيعي المقرّب من إيران، كما أصبح فهد جاسم الفريج وزيراً للدفاع، وهو من العائلة التي صاهرها ماهر الأسد من دير الزور. 
يبدو من هذه الأحداث أن الإيرانيين أحكموا النطاق حول بشّار الأسد، بشكل كامل، حيث استولى الضبّاط المقربون من إيران على جميع المناصب الحساسة في نظام الأسد، وأصبح ضبّاط الحرس الثوري الإيراني، منذ لحظة تفجير خليّة الأزمة، الضبّاط الآمرون لكل قطع الجيش، والمخططون لكل العمليات، والمدراء الفعليون لسير الأحداث في سورية، بالارتكاز على ثلاثة ضبّاط مخلصين لإيران منذ بداية الألفية الثالثة، وهم: جميل الحسن، وديب زيتونة، وعلي مملوك.
شكّل "بدلاء خليّة الأزمة الحلقة الضيقة حول الأسد، وكانوا أبرز الضبّاط القادة في سورية، لحين بدء التدخّل الروسي حيث بدأت أرضيّة السلطة بالتبدّل وبدأ مركز القرار ينحاز باتجاه روسيا.
روسيا تدخل المعادلة
بعد دخول القوّات الروسيّة إلى سورية، لم يقم الروس بتغيير يذكر في القادة الأمنيين الكبار في سورية، بل أبقى الروس على هؤلاء القادة، فيما ركزوا اهتمامهم، على قطعات من الجيش وقاموا بعدّة تغييرات تضمن ولاء الجيش لها، في الوقت الذي قامت بعزل الجيش بشكل جزئي عن قياداته الأمنيّة، حيث أصبح لقادة الفرق اتصالاتهم الخاصّة مع الروس، وبالتالي فقد تجاوزوا كل الهرم الأمني السابق. 
كما ركّز الروس على "جهاز الأمن العسكري"، كقاعدة أمنيّة جديدة يمكن له أن يرتكز عليها لضبط حركة المجتمع والجيش، وأعاد هيكلته وصلاحياته المعطاة منذ ما قبل التدخل الإيراني، حيث تبع هذا الجهاز للنفوذ الروسي ومن قبله السوفييتي، ومعظم ضبّاط شعبة الأمن العسكري، أجروا دورات أركان وقيادة في روسيا. 
وبالمقابل قام الإيرانيون بتضخيم "جهاز المخابرات الجويّة" وتقليص نفوذ الأمن العسكري إبّان تدخلهم لصالح الأسد في سورية، ومع عودة الروس، عاد هذا الجهاز الضخم للعمل بوتيرة أعلى، ويقوم الآن بمهام نوعيّة منها مراقبة عمل الميليشيات المحسوبة على الروس. 
وقام الروس بإجراء تغييرات في هيكلة الجيش، حيث أحدثوا الفيالق الرابع والخامس والسادس، كما قاموا بتحويل قطع كاملة من الجيش تحتوي كتائب وألوية بكاملها لهذه الفيالق، وقامت بوضع ضبّاط موالين للروس في قيادة هذه الفيالق بعيداً عن الإيرانيين وميليشياتهم.
ومن الواضح أنّ الروس يمسكون الآن بنظام الأسد، عن طريق ضبّاط موالين أو عن طريق قادة مباشرين، من الاستخبارات الروسيّة والمتواجدين في القصر الجمهوري، كمستشارين.
 
ثانياً: ضباط الميليشيات 
أدّت التغيّرات التي أجراها النظام أول الأمر في عام 2011، ثمّ عزّزتها السيطرة الإيرانية في عام 2012 إلى بروز عدد من الضباط الذين استقلّوا عن ألويتهم أو أجهزتهم، وبدأوا بالعمل بشكل مستقل تقريباً، مع الحفاظ على صلة الوصل مع ضابط واحد من الضباط الثلاثة الأكثر ولاء لإيران: جميل الحسن، وديب زيتونة، وعلي مملوك.
ومع مرور الوقت، تحوّل بعض هؤلاء الضباط إلى "أبطال" في صفوف الحاضنة الشعبية للنظام، حيث تولّى النظام أولاً صناعة صورتهم، بغية رفع الروح المعنوية للمؤيدين، وصناعة أيقونات محلية، في ظل الضعف الواضح على القيادة السياسية وعلى القيادة الرسمية للجيش. 
وتولّى بعض هؤلاء الضباط إنتاج حملاتهم التسويقية الخاصة، حيث حرصوا على نشر صورهم وتسجيلاتهم، سواء وهم فيما يفترض أنها خطوط المواجهة الأولى مع (العدو)، أو حتى وهم مع أشلاء العدو (نشر العميد الركن عصام زهر الدين في 17/5/2016 صوراً له مع أشلاء مقطعة ومعلّقة كلحوم المواشي)، كما حرصوا على الحضور في المناسبات الاجتماعية في المناطق التي ينتمون إليها، وإلقاء الكلمات والخطب، والاستماع إلى قصائد التمجيد بهم!. 
وسنعرض في هذا القسم إلى أهم هؤلاء الضباط، مع الإشارة إلى أن هؤلاء هم الأكثر حضوراً في الإعلام، فيما أن هناك آخرين معروفين أكثر على مستوى مناطقهم، أو على مستوى ألويتهم أو أجهزتهم الأمنية. 
أـ العميد الركن عصام زهر الدين
وهو درزي من محافظة السويداء، خدم النظام منذ عهد حافظ الأسد واستمر بعد قدوم بشار للحكم. وكانت معظم فترات خدمته في اللواء 105 التابع للحرس الجمهوري. 
برز اسمه للجمهور في عام 2011 بعدما ظهر في فيديو يحرّض زهر الدين عناصر الحرس الجمهوري على قتل المتظاهرين بشكل مباشر، كما عُرضت تسجيلات له وهو يقود عمليات اقتحام في أحياء في دمشق وريفها، ومن ثم توارى زهر الدين عن المشهد العسكري، إلى أن أعلن النظام تعيينه في دير الزور كقائد عسكري للعمليات هناك، وراحت المواقع الموالية للنظام بإطلاق لقب (قلب الأسد) على العميد عصام زهر الدين. 
ورغم وجود تشكيلات عسكريّة متنوعة للنظام في دير الزور، إلا إنّ إعلام النظام غير الرسمي يعتبر زهر الدين هو القائد الفعلي للعمليات العسكريّة هناك. 
وتحوّل زهر الدين بالتوازي إلى رمز محلي لدى الدروز الموالين للنظام، باعتباره الشخصية الدرزية الأرفع في النظام، وقام هو نفسه بتعزيز هذه الصورة في السويداء من خلال تنظيم ما يُشبه مهرجانات التأييد، والتي تجري في سورية حصراً للرئيس وحده، وربط صورته بمشايخ الطائفة الدرزية.  
وستؤثّر السيناريوهات المحتملة لمعركة دير الزور على وضع زهر الدين في المعادلة النهائية، فإذا ما تمكّن النظام من الحصول على توافق دولي ما يسمح له بالمشاركة، وتولّى زهر الدين قيادة قطاعات جيش النظام التي ستدخل إلى دير الزور، فإنّه سيحوله إلى "رمز وطني" يحصد عملياً واحدة من أهم معارك النظام سياسياً وإعلامياً. 
ب ـ العميد الركن سهيل الحسن
ذاع صيته عقب التدخل الإيراني، وما تلاه من تضخمٍ لجهاز المخابرات الجويّة التي يتبع لها الحسن. بدأت مجموعات سهيل الحسن باستقبال كافة المتطوعين للقتال في صفوفها، برواتب عالية نسبيّاً، كما فتح المجال لاستقبال الفارين والمطلوبين الجنائيين والعسكريين، وتسوية أوضاعهم، وأسندت لمجموعته مهام حساسة في عامي 2013 و2014، كان أهمها التقدم في ريف حماه، والاستيلاء على طريق خناصر والدخول لحلب.
وبدأت شهرته تتسع، وساعدته في ذلك وسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي للنظام، ومنحه لقب (النمر). وحرص بدوره على اصطحاب المراسلين الصحفيين التابعين لتلك الوسائل، وتقديم مقابلات وتصريحات يستخدم فيها جملاً مركّبة تبدو ذات بعد فلسفي، وإن كانت هذه التصريحات قد تحوّلت إلى مادة للتندر لدى شرائح واسعة من السوريين لركاكتها. 
وفي منتصف عام 2014 نشر الصحفي البريطاني المقرّب من النظام روبرت فيسك مادة إخبارية دعائية عن الحسن، ووصفه فيها بأنه الجندي المفضل لدى بشار الأسد . 
استطاع الحسن، أن يحصل على تأييد واسع من قبل الموالين، ووصل البعض لترشيحه لحكم سورية بدلاً عن بشار الأسد، حيث رسمت صورته كبطل في أذهان الموالين، وراح يلعب دور (المُخلِّص) في جميع لقاءاته. وفي صيف صيف 2015 انتشرت إشاعات عن مقتله بعد خسارته لمعركة إدلب، ولكن ظهور الحسن في مقابلات تلفزيونيّة لاحقة بددت هذه الإشاعة، لكنه بدا بعدها بشكل جديد مختلف. 
يرتبط نفوذ الحسن بالنفوذ الإيراني، وتشير المعلومات الواردة من الجيش أنه يعمل بإمرة ضباّط الحرس الثوري الإيراني، بما سمح لمجموعته القتال إلى جانب الميليشيات اللبنانية والعراقية.
ج ـ سيمون الوكيل
ترأس مجموعات الدفاع الوطني في محرده منذ نشأتها، وهو من أصول أرثوذكسية. بعد تشكيل الروس للفيلق الرابع في ريف حماه، أصبح الوكيل الآمر الناهي في مدينة محرده، فيما يتعلق بالأمور العسكريّة وغيرها، كما عملت وسائل الإعلام على إبرازه كقائد مسيحي مخلّص في منطقة محرده والمناطق المجاورة. منحه الروس صلاحيّات واسعة في تجنيد أهل محرده والمسيحيين في ريف حماه، كما قام بتقديم عدد من الضبّاط الروس لمجلس المدينة،  وتحدّث هؤلاء بشكل مباشر للأهالي لطمأنتهم، ودعوتهم للالتحاق بالفيلق الرابع، أو بميلشيا الدفاع الوطني في محرده.
ويعد الوكيل واجهة محليّة للقيادة الروسيّة في تلك المنطقة التي باتت تدار بشكل كامل من قبل الروس.
د. محمد الجابر 
قائد ميليشيا صقور الصحراء، كما يتولى أخوه "أيمن الجابر" القيادة الميدانيّة للميليشيا. تشرف الميليشيا على حماية الخطوط النفطيّة، والعمل على استعادتها. وتأتي هذه الميليشيا ضمن نشاطات الجابر في التعهدات النفطيّة، ويبلغ عدد مقاتليها قرابة العشر آلاف مقاتل، يتلقون رواتب عالية نسبيّاً.
تلوّن ولاء الجابر مع ميول النظام في دمشق، إذ انتقل بشكل سريع للحضن الروسي بعد دخول القوات الروسيّة إلى سورية، بعد ان كان ولاؤه للإيرانيين. وتشرف قاعدة حميميم العسكريّة الروسيّة الآن على أعمال الميليشيا القتاليّة، وعلى الخدمات الأمنية التي تقوم بها في محافظة اللاذقيّة. 
وقد سُجّل تجاوز عناصر هذه الميليشيا لآل الأسد، وعدم الانصياع لهم في أكثر من موقف. ومن المرجّح أن يعتمد الروس على صقور الصحراء، في التخلّص من المجموعات الصغيرة والكثيرة التي أسسها آل الأسد في اللاذقيّة، إذ تتبع لكل شخص من آل الأسد في اللاذقيّة مجموعات صغيرة، تؤدّي باستمرار لإثارة البلابل في المدينة.
ه. جابر درغام
قائد ميليشيا الحماية الذاتيّة في طرطوس، والتي أسسها الروس بعد تدخلهم العسكري في سورية. ويعد ضرغام من الأشخاص الأكثر نفوذاً في طرطوس، ويدير عمله بعيداً عن الأضواء الإعلاميّة. ويرتبط نفوذه بشكل كامل بعلاقته مع الروس، حيث كان يمتلك علاقات اقتصاديّة مع روسيا منذ ما قبل 2011، ويعمل على سحب مقاتلي السحابات للميليشيا التابعة له، علماً أن قائد ميلشيا السحابات علي مهنّا، والذي فشل في الحصول على اعتماد روسي مثل درغام.
 
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة للتعامل مع قادة الميليشيات
سمحت السنوات السبعة الماضية لقادة الجيش والأجهزة الأمنية بشكل عام، وقادة ميليشيات الجيش بشكل خاص، بالتحرر من القيود المؤسساتية التي تفرضها بيروقراطية الجيش، والاستفادة من الموارد الكبيرة المخصصة لهم، كما منحتهم القدرة على التنسيق المباشر مع الدول الفاعلة (إيران وروسيا)، وهو ما لم يكن متاحاً قبل عام 2011 بأي شكل. 
ولابدّ هنا من التأكيد أن الحديث عن "القيود المؤسساتية" لا يعني بأي شكل أن الجيش كان مؤسسة محكومة بالأنظمة العسكرية المتعارف عليها في بقية جيوش العالم، بقدر ما يعني "القيود المؤسساتية" المتعارف عليها في جيش النظام، والتي كانت توزّع المكاسب على سلسلة من الضباط، فيما تمّ كسر هذه السلسلة في حالة الميليشيات، كما كانت تضع صلاحية التواصل مع الخارج حصراً في يد الدائرة الضيقة العليا للنظام، ولم يكن من الممكن لأي ضابط خارج هذه الدائرة التواصل أو إجراء ترتيبات خارجية مستقلة!. 
وصنع قادة هذه الميليشيات خلال أعمالهم العسكرية والأمنية خلال السنوات الماضية صورة (البطل) في نظر المؤيدين، فهو الذي يتواجد على خطوط المواجهة، ويحمل السلاح بنفسه، ويُعرض نفسه للموت في أي لحظة، في الوقت الذي يتواجد فيه القادة السياسيون والعسكريون في مكاتبهم البعيدة عن الخطر الحقيقي، وربما لم يقوموا حتى بتفقد الجبهات ولو لمرة واحدة!. 
وتمنحهم هذه الصورة لدى الجمهور المؤيد شرعية التأثير على شكل الحل المقبول، كما تمنحهم شرعية التواجد في دائرة صنع القرار لاحقاً. في الوقت الذي سينظر لهم بقية الضباط كمصدر خطر باعتبار أنهم يفتقدون هذه (الشرعية الميدانية). 
ويمكن إجمال السيناريوهات الممكنة للتعامل مع هؤلاء الضباط والميليشيات التي يقومون عليها فيما يلي: 
1) التخلص من القادة ودمج الميليشيات
تتبع معظم هذه الميليشيات لما يسمّى بالقوى الرديفة، ويحق لعناصرها التطوّع في الجيش بعد انتهاء الحرب، وهذا الاحتمال وارد جدّاً لمجموعات سهيل الحسن ومجموعات عصام زهر الدين، حيث يعتبر عناصر هذه الميليشيات أنفسهم ضمن الجيش منذ الآن.
إلّا أنّ أهم العوائق التي ستعترض هذا الاحتمال، هي عدم قدرة العناصر على الانضباط بالقوانين الخاصة بالجيش الكلاسيكي، وعدم قدرتهم على الالتزام بالدخل المحدود المتوفر لدى الجيش، بعد سنوات من النهب والسرقة، والتنمّر على المدنيين في الحواجز، وصولاً لاقتحام محالهم التجاريّة وحتّى بيوتهم.
كما أنّ ميليشيات كتلك الموجودة في محرده أو في الساحل أو في دمشق، لم تحمل السلاح أساساً، إلّا لتجنّب القتال ضمن صفوف الجيش الكلاسيكي، ولقاء الرواتب العالية نسبيّاً، لذا من الصعب جدّاً إقناع هؤلاء العناصر الانضواء في جيش كلاسيكي، وربما تدخل تلك المناطق في مشاكل جمّة مع أولئك العائدون من الحرب.
وفي حالة إدماج الميليشيات كاملة في الجيش، فإنّ العناصر التي لا ترغب بالانضمام إلى الجيش ستجبر على العودة إلى الحياة المدنية. وسيكون أمام قيادات هذه الميليشيات خيارات مماثلة، حيث ينبغي عليهم في هذه الحالة العودة إلى قوانين مؤسسة الجيش، والاستفادة من التجربة الميدانية في الحصول على ترفيعات عسكرية وامتيازات اقتصادية. 
وفي هذا السيناريو، فإنّ قادة الميليشيات الذين يرفضون الانصياع للمؤسسة، أو أولئك الذين يحاولون لعب أدوار مخالفة لتوجهات النظام في مجتمعاتهم المحلية يمكن أن تتم التضحية بهم كمجرمي حرب في أي مشروع للعدالة الانتقالية قد يتم اعتماده دولياً لتسوية ملف الأزمة السورية. 
ويُشكّل هذا السيناريو خياراً روسياً، وربما تدفع روسيا باتجاهه بعد انتهاء المعارك واستقرار الأوضاع سياسياً. 
2) بقاء الميليشيات
نشأت هذه الميليشيات ضمن بيئات محليّة، وأخذ معظمها طابعاً طائفيّاً، وهذا الأمر جعلها معاديّة للبيئات المجاورة، وترتهن بسهولة لجميع شروط الداعم الخارجي، حيث تضمن هذه الميليشيا نفوذ إيران وروسيا لأمد طويل، وتجعل من هذه الميليشيات، شوكة في حلق باقي الأطراف، بما فيها مؤسسة الجيش نفسها والأجهزة الأمنية، وخنجر قد تطعن به أي تسوية مرتقبة، فيما لو تغيّرت ظروف الاتفاق ولو نسبيّاً، وهذا ما يؤهلها لتقوم بعدد من الأدوار التي لا قد لا يتمكن الجيش نفسه من القيام بها لأسباب سياسية.
في المقابل، تحتاج هذه الميليشيات لتمويل ضخم ومستمر، وإدارة حازمة من الدولة حتى لا تسبب هذه الميليشيات في قلاقل داخل البيئة الحاضنة لها، خاصّة أن عناصر هذه الميليشيات، تم تجميعهم بشكل عشوائي ضمن الطائفة الواحدة، ولم يستثن المجرمين الجنائيين وأصحاب السوابق، ولا توجد لحدّ الآن أعراف أو قوانين تحكم شكل العلاقة ضمن هذه الميليشيات.
3) الخيارات الهجينة والمتنوعة
هذا السيناريو قد يكون الأقرب للتحقق، لما يملكه من قدرة الأطراف على المناورة، وعلى تقديراتها المرحليّة، للحالة العسكريّة في كل منطقة على حدا، فقد تلجأ إيران لحل نسب معينة من عناصر ميليشياتها، والحفاظ على عدد معقول، يمكن ضبطه وتوجيهه بالشكل الذي يخدم حاجتها، كما قد تفعل روسيا نفس الأمر، مع إمكانيّة استدعاء عناصر إضافيّة إذا ما اقتضى الأمر.
أما بالنسبة للمجموعات داخل جيش النظام، فقد يرجّح دخول معظم عناصرها في إطار الجيش والاعتماد على جيش محترف، بالتوازي مع تسريح المجندين والاحتياطيين، ما يخلق مكاناً لجميع هؤلاء، وربما يضطر الجيش لفتح باب التطوّع لاستيعاب عناصر من الميليشيات، بسبب النزف الكبير الذي حصل على تعداد جيش النظام، والفقد الهائل الذي قد يحصل في حال اعتماد الجيش الاحترافي، الأمر الذي ستدفع باتجاهه روسيا لإتمام قبضتها على الجيش.
 
المراجع:
 
1- في تصريح لصحيفة دير شبيغل، قال وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس: "لقد استخدمنا السلاح للحصول على السلطة، وأي أحد يريد إخراجنا منها فعليه استخدام السلاح!. انظر: