الضربات الإسرائيلية في سورية الغايات والأبعاد
يوليو 21, 2017 1726

الضربات الإسرائيلية في سورية الغايات والأبعاد

حجم الخط

مدخل

يعدّ الموقف الإسرائيلي من الملف السوري من أعقد المواقف الإقليمية، فلا زالت إسرائيل تتبنى الحياد رسمياً من الأزمة السورية. ورغم أنها لم تشتبك بفصائل المعارضة التي سيطرت على الشطر السوري من الجولان، واكتفت بتوجيه ضربات محدودة لمجموعات مرتبطة بداعش، فإنّ ثمة انطباع عام في الأوساط السياسة بأن إسرائيل هي من ضمن القوى التي تدفع دولياً باتجاه عدم السماح بإسقاط نظام الأسد. 
ويرتبط تعقّد الموقف الإسرائيلي من الأزمة باختلاف مصالحها عن بقية دول المنطقة، وتعقّد تموضعها إقليمياً ودولياً، فهي تمتلك مصالح مختلفة في سورية عن بقية دول الإقليم، كما تملك مصالحها المختلفة عن أوروبا والولايات المتحدة. 
ومنذ عام 2013 استأنفت إسرائيل غاراتها الجوية على سورية، والتي كانت قد أوقفتها في عام 2007، ونفّذت منذ ذلك الحين العشرات من الغارات، دون أن يصدر عنها في الغالب أو عن النظام أي تفسير لطبيعة الأهداف المستهدفة، ولا تقوم إسرائيل حتى بالإعلان عن هذه الغارات.
في خضم هذا التعقيد سنحاول في هذه التقرير فهم طبيعة الغارات الجوية والهجمات الصاروخية التي تنفذها هناك منذ عام 2013 وحتى الآن، وتحليل تعاطي الفاعلين المعنيين، وبشكل خاص النظام وروسيا، مع هذه الضربات، والتي تستهدف بُنية الخطاب السياسي للنظام، القائم على فكرتي "مقاومة إسرائيل" و"الدفاع عن سيادة سورية"!. 

الضربات الإسرائيلية في سورية

واصلت إسرائيل عملية استهداف الأراضي السورية وقوات النظام بشكل مستمر منذ عام 1967، ووصل الأمر في عام 2006 إلى قيام الطائرات الإسرائيلية بخرق جدار الصوت في اللاذقية أثناء تحليقها فوق القصر الرئاسي هناك أثناء تواجد بشار الأسد فيه. 
وفي عام 2008 قامت طائرات إسرائيلية بقصف موقع عسكري في محافظة دير الزور، وصف آنذاك بأنه مفاعل نووي قيد التأسيس. وفي نفس العام قامت إسرائيل وفق أغلب التقديرات بقتل العميد محمد سليمان أثناء تواجده في استراحة على البحر في محافظة طرطوس. 
وخلال كل هذه الهجمات، أظهر النظام السوري قدرة معدومة على مواجهة الخروقات الإسرائيلية، واكتفى بالتزام سياسة "ضبط النفس"، والتهديد بالرد في "الوقت المناسب والمكان المناسب"!.
وقد ارتفعت وتيرة الهجمات الإسرائيلية على سورية منذ بداية عام 2013، ولم تعد تحظى هذه الهجمات حتى بالتغطية الإعلامية الكبير من طرف إعلام النظام وحلفائه، ما عدا بعض الضربات التي حصلت في دمشق ولم يكن من الممكن تجاهلها، كتلك التي استهدفت مقر الفرقة الرابعة في جبل قاسيون.
ولا يُعرف على وجه الدقة عدد الغارات الإسرائيلية على سورية، حيث تمتنع إسرائيل عن التصريح بهذه الغارات إلا في حالات محددة منها، كما يمتنع النظام من جهته عن الإعلان عن هذه الغارات إلا إذا اضطر إلى ذلك، كأن تستهدف الغارات أماكن قريبة من مناطق مأهولة، أو تستهدف شخصيات معروفة من حزب الله. 
وفي 19/7/2017 صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إسرائيل قامت خلال السنوات الماضية بالعشرات من الغارات على سورية .  
ويقدّم الجدول رقم (1) كشفاً بالضربات الإسرائيلية التي تم توثيقها خلال السنوات الخمسة الماضية. 
ويلاحظ من الجدول أن 36% من الغارات تركّزت في منطقة الجولان، وهي في الغالب ذات صفة تكتيكية تندرج في إطار قواعد الاشتباك على الحدود بين شطري الجولان السوري. 

 

الدوافع الاستراتيجية 

من خلال استعراض الضربات الإسرائيلية، والتصريحات الإسرائيلية المحدودة عنها، فإنه يمكن الوصول إلى ثلاثة أهداف استراتيجية للضربات الإسرائيلية المتتالية خلال السنوات الخمسة الماضية، وهي جميعاً تتعلق بالحفاظ على مصالحها المحضة، بعيداً عن التدخل في موازين الحرب السورية أو ترجيح كفة بعض أطرافها على البعض الآخر. وهذه الأهداف هي:
1. الترسانة الكيماوية
تسعى إسرائيل لاستغلال الظروف الحالية للنظام السوري لتدمير الترسانة الكيماوية الموجودة لدى النظام، ولمنع انتقال تكنولوجياتها أو مكوناتها إلى يد فاعلين آخرين كحزب الله أو تنظيم داعش أو المعارضة السورية. 
وكان موقع جمرايا، الذي يضم مركز البحوث العلمية المتخصص في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، أول موقع يتم استهدافه في عام 2013، وهو أول هجوم إسرائيلي على سورية منذ تدمير المفاعل النووي قيد البناء في دير الزور عام 2007. 
2. الترسانة الصاروخية
يمثل تدمير الصواريخ بعيدة المدى ومنظومات الصواريخ المضادة للطائرات التي يمتلكها الجيش السوري هدفاً مهماً للجيش الإسرائيلي، وهي ثاني أخطر ترسانة عسكرية في سورية على "إسرائيل"، سواء كانت في يد نظام الأسد أم المعارضة أم أي قوة فاعلة في المنطقة المجاورة لها.
وقد ركزت معظم الغارات الجوية الإسرائيلية في سورية منذ عام 2013 على استهداف هذه الترسانة بالتحديد، لا سيما صواريخ سكود روسية الصنع، حيث استغلت "إسرائيل" عدم استعداد نظام الأسد لدخول حرب معها وتشتيت معاركه في الحرب السورية، وكي لا تتخذ القضية السورية بعداً دولياً، وهو ما عمل الأسد في عدة مستويات على تأجيله ما أمكنه ذلك، وهذا ما يمكن أن يفسر سبب رده على الهجوم الإسرائيلي ما قبل الأخير الذي استهدف قوات الأسد في ريف حمص في 17 مارس/ آذار 2017، ولكنه يبقى على جميع الأحوال رداً معنوياً لا يهدف لإثارة حرب.
3. التنظيمات والمليشيات الإرهابية
تسعى إسرائيل إلى إبعاد خطر التنظيمات "الإرهابية" بكل تصنيفاتها عن التمكن من استهداف "إسرائيل" أو إلحاق الضرر بها سواء على المدى القريب أو البعيد، بما في ذلك المليشيات التابعة لإيران، ولذلك فقد استهدف جزء من الغارات أسلحة بعيدة المدى أثناء أو قبيل نقلها إلى لبنان، كما استهدفت مجموعات وخلايا مشتركة بينها ضباط في الحرس الثوري الإيراني.
وقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنايمين نتنياهو أن هذا الهدف هو الهدف الرئيسي لكل الضربات الإسرائيلية في سورية .
ويُلاحظ أن إسرائيل لم تبد قلقاً من مشاركة حزب الله في سورية، ولا تقوم باستهداف معسكراته الكبيرة المتواجدة في ريف دمشق، وتكتفي باستهداف محاولات نقل السلاح المتطور إلى لبنان، ولا تمانع حتى من قيام مقاتلي الحزب باستخدام هذه الأسلحة طالما كان هذا الاستخدام داخل الأراضي السورية. 
وقام الطيران الإسرائيلي باستهداف جيش خالد بن الوليد، الفصيل المرتبط بتنظيم داعش، في الجولان بغارة وحيدة، إثر تبادل لإطلاق النار على الحدود بين شطري الجولان، وجاءت الغارة كرد على إطلاق النار من قبل عناصر لجيش خالد على جنود إسرائيليين قاموا بنشاط أمني على الشريط الفاصل. وقال موقع تايمز أوف إسرائيل، في تحليل سابق له حول وجود تنظيم داعش قرب حدود الجولان المحتل، نشر بتاريخ 8 سبتمبر/ أيلول 2016 إنه "ليس لدى الإسرائيليين ما يخشونه من داعش".

أهداف تكتيكية

بعد استعراض الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الكامنة وراء الضربات العسكرية التي تنفذها تل أبيب داخل سورية، يتبقى لدينا هدف رابع لبعض تلك الهجمات، لكنه يختلف عنها بكونه هدف تكتيكي ذو صبغة محلية تتعلق بقواعد الاشتباك على الحدود بين شطري الجولان، إذ دأبت وحدات الجيش الإسرائيلي المرابطة على الحدود بالرد على أي تجاوز من الطرف السوري لهذه القواعد، أو تحرك عسكري قريب، وذلك عبر قصف وحدات من قوات النظام في محافظة القنيطرة بشكل عشوائي.
وتتميز هذه الهجمات بأنها متكررة بشكل كبير، وأن إسرائيل تقوم بالإعلان عنها بصورة رسمية، بعكس الضربات الأخرى في الداخل السوري، والتي تلتزم الصمت إزاءها مع التلميح بين الفينة والأخرى بالمسؤولية عنها، ففي 1/12/2015، أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ بلاده ضربات عسكرية ضد حزب الله وقوافل أسلحته، لكنه لم يتبنّ هجوماً محدداً ، وفي حالات محددة جداً قامت إسرائيل بالإعلان عن مسؤوليتها تجاه ضربات بعينها، ففي الهجوم الذي وقع في 17/3/2017، اضطرت إسرائيل إلى الإعلان عنه بعد قيام قوات النظام لأول مرة بالرد على هذا النوع من الغارات، من خلال استهداف الطائرات الإسرائيلية بصواريخ أرض جو مضادة للطائرات، تعقبتها حتى الحدود، عندما أطلقت الدفاعات الإسرائيلية صواريخ مضادة لها دمرتها في الجو وسقطت شظايا حطامها فوق الأردن.

التنسيق الروسي-الإسرائيلي

بدأت الغارات الإسرائيلية داخل سورية في بداية عام 2013، واستمرت منذ ذلك الحين بوتيرة متقاربة، لكن التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في سبتمبر/ أيلول عام 2015 أجبرها على الدخول في منحنيات جديدة، يمكن قراءتها على أنها قيود فرضتها ضرورات التنسيق بين الجانبين، في ظل حكم إدارة أوباما التي كانت تمثل خصماً كبيراً لتل أبيب وليست حليفاً يمكن الاتكاء عليه.
تقييد الضربات
أعلن الطرفان أن التنسيق المتفق عليه بينهما يتعلق فقط بمنع وقوع حوادث طيران غير مرغوبة، وفق ما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون، بعد مضي شهر على التدخل الروسي، حيث قال إن الجانبين ينسقان بينهما الإجراءات الأمنية "بهدف تجنب حدوث أي إشكالات بينهم وبيننا"، وأضاف: "نحن لا نتدخل في أعمالهم وهم لا يتدخلون في أعمالنا" . ما يعني أن أول قيد خضعت له إسرائيل هو إخطار الطرف الروسي بالضربة التي تنوي شنها في سورية قبيل وقوعها بمدة كافية.
ومن القيود التي حكمت العمليات الإسرائيلية العسكرية داخل سورية بحكم الاتفاق مع روسيا الإقرار رسمياً، على أعلى المستويات بتنفيذ الضربات العسكرية داخل سورية بوجه عام، ولكن ضد مليشيات حزب الله اللبناني فحسب، حيث جاء إقرار نتنياهو بقيام إسرائيل بهذه التحركات عقب لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تلا بدء التدخل الروسي بأسابيع قليلة.
وبعد التدخل الروسي تباطأت وتيرة الضربات الإسرائيلية في سورية، على خلاف المتوقع، فرغم الإعلان عن التوافق بين إسرائيل وروسيا على التنسيق بينهما فيما يتعلق بالطلعات الجوية، إلا أن التحركات الإسرائيلية جرى تقليصها نسبياً، وخلال العام الأول من التدخل الروسي، شهدت سورية غارة واحدة في كانون الأول/ديسمبر 2015، وهي الغارة التي قُتل فيها سمير القنطار. 
ورغم حرص الطرفين على عدم الإقرار بما هو أبعد من التنسيق بهدف منع الحوادث في الأجواء، إلا أن تصريحات نتنياهو ويعالون تشيران لما هو أبعد من ذلك مما يشكل قيوداً أخرى غير معلنة على الضربات الإسرائيلية، مثل التزام عدم مهاجمة قوات الأسد أو استهداف مخازن أسلحته المتطورة وصواريخه بعيدة المدى ومنظوماته الدفاعية، مقابل السماح لها باستهداف المليشيات الموالية لإيران، في امتداد واضح لتوافق أقدم بين الطرفين على تقليم أذرع إيران في سورية وتقليص نفوذها، وقد أظهرت روسيا رغبتها هذه في مواضع أخرى من النزاع السوري لمصلحة مد نفوذها هي، كما جرى في حلب بعد تهجير سكان أحيائها الشرقية.

لماذا أدانت روسيا آخر ضربتين؟
رغم أن موسكو أدانت آخر ضربة إسرائيلية في سورية قبل التدخل الروسي، والتي سبقته بعام، إلا أن إدانته للضربتين الأخيرتين اللتين استهدفتا مستودعات أسلحة في جوار مطار دمشق الدولي، وقالت الصحافة الإسرائيلية إنها تتبع لحزب الله اللبناني، وكذلك الضربة التي سبقتها قرب تدمر وأقرت بها إسرائيل وزعمت أنها استهدفت مخازن أسلحة لحزب الله، كان لها وقع خاص، فقد استدعت الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي بموسكو للاحتجاج على ضربة تدمر، ووصفت، على لسان ماريا زخاروفا، الناطقة باسمها، ضربة مطار دمشق الأخيرة بأنه "عمل عدواني" ودعت جميع الدول إلى احترام "سيادة سورية" . 
لا يمكن فهم الإدانة الروسية الصريحة لآخر ضربتين دون أخذ أحد احتمالين بعين الاعتبار:
الاحتمال الأول أن تكون هاتان الغارتان قد خرقتا الاتفاق الروسي-الإسرائيلي، وهذا يعني أن الرواية الإسرائيلية غير الرسمية في ضربة المطار والرسمية في ضربة تدمر ليست صحيحة من المنظور الروسي، أي أنهما استهدفتا مخزناً للصواريخ المتطورة، لا سيما سكود روسية الصنع، تابعة لنظام الأسد وبعيدة عن أيدي المليشيات الإيرانية، وهذا الاحتمال يبدو أكثر ترجيحاً بالنظر إلى أن تدمير الصواريخ بعيدة المدى التي بحوزة الأسد يعد هدفاً استراتيجياً لإسرائيل كما أوضحنا، ويبدو أن الأخيرة اضطرت للتخلي عن هذا النوع من الضربات مؤقتاً لضرورة التنسيق مع روسيا وعدم الاطمئنان إلى الحماية الأمريكية في حال الصدام. وعندما وصلت إدارة أمريكية أكثر حزماً اختارت تل أبيب أن تستعيد بعض الهوامش التي فقدتها، تحت غطاء ضرب المليشيات الإيرانية.
الاحتمال الثاني أن تكون الرواية الإسرائيلية صحيحة، لكن روسيا باتت في موقف حرج جداً تجاه حلفائها لا سيما إيران، وخاصة بعد فشلها في حماية قوات الأسد من الضربة الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات العسكري قرب حمص، ويتزامن هذا الحرج مع إحباط روسي من دور إسرائيلي كانت تأمله في تقريب إدارة ترامب من الكرملين، وهو احتمال وارد أيضاً.
والجامع بين الاحتمالين أنه ثمة خلاف طارئ في العلاقات الروسية-الإسرائيلية بعد الضربة الأمريكية، أو بالأحرى تفاقماً متسارعاً في الخلافات السابقة، يتغذى على صعود إدارة ترامب وعدم تقاربها مع روسيا كما كان متوقعاً، بل تصاعد لهجة أمريكية أكثر عداءاً تجاهها.

 

 

1- Netanyahu accidentally reveals Israel has struck Iran-backed fighters in Syria ‘dozens of times’, The Washington Post, 19/7/2017

2- Netanyahu accidentally reveals Israel has struck Iran-backed fighters in Syria ‘dozens of times’, The Washington Post, 19/7/2017

3-  لإسرائيل لا يوجد ما تخشاه من “داعش” إلا الخوف نفسه، تايمز أوف إسرائيل، 8/9/2016 
4-  نتنياهو يُقرّ للمرة الأولى رسمياً بتنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات داخل سورية، روسيا اليوم، 1/12/2015 

5-  إسرائيل: لا ننسق أعمالنا في سورية مع موسكو، روسيا اليوم، 28/10/2015

6-  الكرملين يدعو إلى احترام سيادة سورية على خلفية القصف الإسرائيلي، موقع روسيا اليوم، 28/4/2017