هل يغير "بومبيو" السياسة الأمريكية تجاه سوريا ؟
مارس 21, 2018 1353

هل يغير "بومبيو" السياسة الأمريكية تجاه سوريا ؟

حجم الخط

الكاتب : عبد الرحمن السراج ( باحث في السياسات الأمريكية والعلاقات السورية الأمريكية)  

 

استغرقت الإدارة الأمريكية الجديدة عامًا كاملًا حتى تعلن عن أهدافها في سوريا، عامٌ كان الأكثر دموية للضحايا المدنيين لضربات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة حسب منظمة “إيروارز” التي قدّرت عددهم بستة آلاف مدني، في زيادة تجاوزت ضعف عدد الضحايا في 2016، فضلًا عن ضحايا النظام السوري وروسيا التي تفوق ذلك العدد.
وفي الواقع لم يتعدّ إعلان أهداف الولايات المتحدة وصف وزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون لها بـ "النهّايات الخمس الأساسية" التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها في سوريا، فهي لم تُوفق بأي خطوات أو سياسات لتحقيقها، علمًا أنّها تشمل منع تهديدات داعش والقاعدة، ودعم انتقال من نظام الأسد تقوده الأمم المتحدة، والحد من نفوذ إيران في سوريا، وإيجاد ظروف تمكّن اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم، وضمان خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.
يُمكن وصف هذه النّهايات المأمولة بأنّها واسعةٌ بالنظر إلى ترتيب الملف السوري المتدنّي في سلّم أولويات الإدارة الأمريكية. ورغم كل ذلك، فإن هناك تساؤلات حول احتمال تغيّر ترتيب سوريا أو الشرق الأوسط ككل على سلّم أولويات الإدارة بعد بإقالة تيلرسون وتعيين المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو مكانه. وذهب محللون أبعد من ذلك إلى أن الولايات المتحدة قد تعمد إلى وقف صعود حلف روسيا وإيران والنظام السوري المستمر منذ سنوات.
هدّد ترامب منذ توليه الرئاسة بإنهاء خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، دون تقديم بديل معقول لوقف البرنامج النووي. ويبدو أنّ ترامب تجاهل النقلة الكبيرة في ميزان القوى في المنطقة، التي سرّعتها إدارته وإدارة أوباما بانسحابها من سوريا - عدا الضربة المعزولة لقاعدة الشعيرات في حمص - ورفضها المتكرّر للردّ على جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري ورعاته روسيا وإيران.
وحتّى مثول بومبيو أمام جلسة الاستماع لتأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ التي أُعلن أنّها ستكون في نيسان/ أبريل المقبل، فإنّ عليه الإجابة على بعض التساؤلات بشأن السياسة الأمريكية في سوريا كانت قد طرحتها الصحفية في واشنطن بوست جينيفر روبن:
- هل كان تبوّؤ روسيا دورًا رئيسيًا في الشرق الأوسط جزءًا من خطة أمريكية أم أنّ السلوك الأمريكي أوصلها إلى هذه المكانة؟
- وهل يعتقد الرئيس أنّ روسيا أجدر من الولايات المتحدة بهذه المكانة في الشرق الأوسط خاصّة في ظل رعايتها لإيران والنظام السوري؟
- وما الذي قد يقترحه بومبيو إذا كان يعتقد أن هيمنة روسيا على الشرق الأوسط تطور خطير؟
- ولماذا لم يستجوب الرئيس روسيا بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها في سوريا ويتّخذ إجراءً بشأن ذلك؟
- وأخيرًا وليس آخرًا، لماذا لم يتحرك الرئيس بشأن العدوان الإيراني في المنطقة أو الدور الروسي في دعم بشار الأسد وتغطية قوات حزب الله؟
تبنّى بومبيو في السابق موقفًا متشدّدًا تجاه النظام السوري والاتفاق النووي الإيراني، وقد أيّد إبّان وجوده في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري نيّة الرئيس السابق أوباما ضرب رأس النظام السوري بسبب رفضه وقتها تسليم أسلحته الكيميائية. وأكّد لاحقًا كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية في ندوة بشأن قضايا الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي في تموز/ يوليو الماضي تبايُن المصالح الأمريكية والروسية في سوريا وأنّهما ليستا حليفتين هناك، مشككًا في جدية روسيا بمكافحة الإرهاب الدولي في سوريا ومؤكدًا أنّ من مهمّات الولايات المتحدة التصدي لروسيا ومنعها من مواصلة التوسّع.
وفي إجابة له على سؤال صحفية من شبكة أن بي سي في تموز/ يوليو الماضي أيضا، قال بومبيو إنّ الرئيس الأمريكي السابق كان عليه أن يتحرّك في سوريا إلا أنّه اختار استدعاء الروس إلى سوريا، مشيرًا إلى أنّ ما فعله أوباما مثّل نقطة تحوّل كبيرة في قدرة الولايات المتحدة على ممارسة نفوذها في سوريا، “أمّا الآن نجد نفسنا نحاول تطوير علاقاتنا مع شركاء وأطراف مستعدّين للعمل معنا للوصول إلى أفضل وضع يخدم المصلحة الأمريكية”، موضحًا أنّ تحرك أوباما المقصود هو “استدعاؤه للروس لحل مشكلة الأسلحة الكيميائية”. وفي الشهر نفسه، قال بومبيو إنّ من الصعب تخيّل وضع مستقر في سوريا مع وجود الأسد في السلطة، واصفًا الأسد بـ”دمية الإيرانيين الذي لا يمكن خدمة المصالح الأمريكية بوجوده في السلطة”.
ربّما تكون العلاقات الأمريكية-التركية عاملًا مهمًا في نجاح السياسة الأمريكية في سوريا. وقد أعرب بومبيو في وقت سابق عن قلقه بشأن تحوّل أنقرة إلى “دكتاتورية إسلامية شمولية”. وبعد سنة من عمر الإدارة الأمريكية تدهورت علاقتها مع أنقرة، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى عدم صراحة تيلرسون بشأن السياسة الأمريكية التي اتّخذت من حزب الاتحاد الديمقراطي شريكًا رئيسيًا على الأرض في سوريا. وبوجود بومبيو وزيرًا للخارجية ربّما تدرك أنقرة أنّها تتعامل مع مُفاوض قوي، الأمر الذي قد يكون إيجابيًا لحاجة أنقرة إلى صراحة أكثر من واشنطن بشأن الدور الذي تؤدّيه في سوريا.
أشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في مذكرة له إلى أنّ بومبيو سيعمل على “تشجيع مسؤولي الإدارة الذين يسعون لإظهار موقف أكثر حزمًا في الأزمة السورية”. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تحليلات رأت في الاختلاف الظاهر بين تيلرسون وترامب في قضايا عديدة من بينها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعمّدًا لظهور تيلرسون بمظهر “الشرطي الجيد” لموازنة مواقف ترامب “الشرطي السيء”، وهنا يمكن التساؤل عمّا إذا سيكون وجود بومبيو إلى جانب ترامب شكليًا وغير مؤثر في توجّه الرئيس الأمريكي تجاه السياسة في سوريا.
رأى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي في حديث لشبكة سبوتنيك الروسية أنّ تعيين بومبيو لن يغير السياسة الأمريكية في سوريا، مضيفًا أن أي شخص آخر سيكتفي بتنفيذ ما يقوله الرئيس وبالتالي "يكون تغيير وزير الخارجية غير مهمّ إذا لم تتغير السياسة أو الاستراتيجية الأمريكية في سوريا". وهنا من المهم معرفة إذا كان بومبيو قد أشار - كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية - على الرئيس بتبنّي موقف أكثر تشددًا في المنطقة، كما أشار مستشارو أوباما عليه في هذا الصدد. وفي حال تقديم بومبيو لهذه المشورة وتجاهله من قبل ترامب فإنّ تأثيره على الرئيس سيكون محلّ شكّ، أمّا إذا لم تكن هذه نصيحته لترامب فإنّ فهمه لخطأ الإدارتين في المنطقة سيكون محلّ شكٍّ أكبر.
يمكن القول بناءً على المعطيات الموجودة أنّ بومبيو سيتبنّى نهجًا أكثر واقعيةً تجاه روسيا والنظام السوري، وأنّ خصوم الولايات المتحدة سيعدّونه تحديًا أكبر بسبب خلفيته الاستخباراتية. ربّما يؤدي وجود بومبيو في وزارة الخارجية إلى مزيد من الضغط على محور روسيا وإيران والنظام السوري، لكنّ وجوده - الذي ينتظر تأكيد مجلس الشيوخ في الشهر المقبل - لا يعدو حتّى الآن كونه المؤشر الوحيد على احتمال تغيّر السياسة الأمريكية تجاه سوريا وحتّى ظهور مؤشرات أخرى وإذا لم تحدث مفاجأة تقلب الموازين تظل اليد العليا في سوريا للمحور المذكور آنفًا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال تمثل آراء الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز جسور للدراسات