تراجعات أمريكا و اندفاعات روسيا في ميدان الأزمات: سورية والعراق وإيران وتركيا
أغسطس 26, 2016 1411

تراجعات أمريكا و اندفاعات روسيا في ميدان الأزمات: سورية والعراق وإيران وتركيا

حجم الخط

تراجعات أمريكا و اندفاعات روسيا في ميدان الأزمات؛ سورية والعراق وإيران وتركيا

ترجمة للمقال: 

The US Retreats, Russia Advances in Crises Square – Syria, Iraq, Iran and Turkey
Middle East Briefing 

تتسارع الأحداث في منطقة المستطيل الجغرافي الذي يضم سورية والعراق وتركيا وإيران، وتكشف عن مدى تعقد الأوضاع فيه.
الولايات المتحدة وروسيا واللاعبون الإقليميون والأيديولوجيات والمصالح المتضاربة والعنف والصور المؤلمة والحرب والإرهاب والدمار كلها مظاهر سطحية لمواجهة دموية جداً ومعقدة ومتعددة الأطراف. 
هذا المقال هو بمثابة إطلالة سريعة على الأحداث السريعة في هذه الأزمة الرباعية وتأثيراتها على المواقف الإقليمية لكل من روسيا والولايات المتحدة: 
سوريا: 
أنجزت المعارضة المسلحة داخل وحول حلب ما كان يظنه الجميع غير قابل للإنجاز: ذلك أنها لم تكسر حصار القسم الشرقي من المدينة الخاضع لسيطرتها فحسب وإنما طوقت القسم الغربي أيضاً، وأوقفت هجوم روسيا وإيران وحزب الله والأسد واستعادت المواقع التي سبق أن خسرتها وكسبت مواقع إضافية كانت من قبل تحت سيطرة النظام وحلفائه، ونجحت بالالتقاء مع مقاتليها في حلب الشرقية، وستكون المهمة التالية هي تأمين طريق الإمداد لتزويد المقاتلين بالوسائل الضرورية للاستمرار.
ولكن الآثار المترتبة على معركة حلب ستكون بعيدة المدى، فالسؤال الأساسي الذي يطرحه التطور الأخير حول المدينة القديمة هو على النحو التالي: إذا كانت جبهة فتح الشام المعروفة سابقاً بجبهة النصرة تقاتل في حلب الآن كطرف لا يمكن تمييزه عن بقية أطراف المعارضة المسلحة المتعددة الفصائل، وإذا كان أساس اتفاق كيري-لافروف محاربة النصرة وتنظيم الدولة،أفلن يكون هذا بمثابة خدمة جليلة للأسد كي يقصف النصرة بالشراكة مع الرئيس بوتين؟
في الوقت الذي يطرح فيه التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا سؤالاً مباشراً حول الأرضية التي يقف عليها هذا التنسيق وحول الإنجاز الذي يريد تحقيقه، فإن حلب جعلت من الواضح مرة أخرى أن الحل العسكري ليس حلاً، إذ يتعين أن يقتصر هذا التنسيق على إيجاد الأرضية المناسبة لإطلاق حل سياسي من خلال ممارسة كلا الطرفين لضغوط، كلٍّ على جانبه.  
لن يكون بوسع الخطة باء الروسية الأمريكية بتقسيم سورية أن تنجح، فلقد رأينا للتو أن الأسد لا يملك القوة الكافية للسيطرة على حلب، فكيف يمكن الافتراض بأنه يملك القوة ليحافظ على كامل الجزء الغربي من سوريا مستقراً؟
يحصل أيضاً في سوريا أن سيطر مقاتلو التحالف الكردي العربي  المدعوم أمريكياً على منبج من قبضة تنظيم الدولة، وستكون الخطوة المقبلة هي الرقة عاصمة التنظيم، حيث تنتشر تكهنات قوية وسط السوريين بأن معركة الرقة ستبدأ قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 
العراق: 
وصل آمر قوة القدس الإيراني قاسم سليماني إلى العراق في الأول من أغسطس الجاري عابراً حدود محافظة ديالى، وتوجه على الفور إلى محافظة نينوى لتفقد التضاريس المحيطة بمدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى، ولقد قال الناطق باسم الميليشيات الشيعية العاملة ضمن الحشد الشعبي بأن سليماني في العراق "لقيادة القوات التي ستحرر المدينة". 
تثير سيرة حياة سليماني الإعجاب حقاً، فالرجل قاد القوات التي كانت تقتل الجنود الأمريكيين منذ عشر سنوات فقط، وهو يرى الآن أعداء الأمس يمهدون الطريق أمامه لفتح الموصل بعد سقوطها بيد مجموعة من القتلة. لكن سيرة حياته تخبر أيضاً بمفارقة أخرى أكثر سخرية، حيث يبدو أن الولايات المتحدة قد اتفقت مع كردستان العراق على صيغة تسمح للإيرانيين بفعل ما يريدون في بقية العراق، وفي الفترة الراهنة وبما أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة متوترة، فإن واشنطن تفكر ملياً بنقل قواتها خارج قاعدة إنجيرليك وبناء قاعدة جوية بديلة بالقرب من إربيل. بالطبع لن يذهب سليماني إلى كردستان العراق، فتنظيم الدولة منحه فرصة الضغط على العالم لمساعدته في بسط سيطرته على وسط العراق. أما الجنوب فهو أصلاً تحت السيطرة.   
ليس لدى روسيا ممرات في العراق ولا هي بحاجة إليها، فطالما يطهر الإيرانيون وسط العراق من الإسلاميين وجنوبه من الأمريكيين فليس على روسيا سوى الانتظار. 
وفي حين تبدو الولايات المتحدة وكأنها تقاتل لبسط سيطرتها على منطقة ما لتتخلى عنها بعد فترة قصيرة، فإنها تعدّ في الفترة الراهنة قوةً مرفوضة في كامل العراق عدا كردستان وفي كامل سوريا عدا جيوب هنا وهناك وفي إيران وتركيا. يضاف إلى ذلك أن علاقاتها مع دول الخليج العربي باتت إشكالية. لذا ما تفعله واشنطن هو طرق باب موسكو كما رأينا في الأشهر القليلة الماضية.  
لاشك بأن تنظيم الدولة الإسلامية – من جهة كونه دولة- سيهزم. والسؤال هو لمن ستقدم الولايات المتحدة هذا النصر. الجواب الواضح هو: الأكراد. لكن هذا سيعني أن الولايات المتحدة تكتفي برقعة صغيرة من الأرض بعد أن كانت القوة الأكبر في المنطقة بأسرها وأن مالاً وفيراً سيبذل لصالح استرجاع مواقعها خلال فترة زمنية قصيرة، هذا إن لم تفقدها للأبد.     

تركيا: 
كما ذكر في إصدارات سابقة لموقع "الإحاطة بالشرق الأوسط"، فلقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر قوة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو، لكن مع كون العلاقات التركية مع الغرب من بين أكبر أضرار الانقلاب، إذ شهدنا أردوغان وبوتين يرقصان معاً في موسكو، ذلك أن كلاً منهما يمنح الآخر فسحة للتنفس بعيداً عن الضغوط الغربية. 
من الممكن أن تكون العلاقات التركية الأميركية قد تجاوزت في الفترة الراهنة خط اللاعودة، فالضرر كبير بدءاً من الفشل المطلق في التنسيق حول سوريا إلى تناقض السياسات حول العراق وانتهاء بالشكوك التركية حول وقوف الولايات المتحدة خلف الانقلاب الفاشل. وقد يكون التقارب بين أنقرة وطهران أحد تداعيات الانقلاب الفاشل. لكن في الوقت الحالي يكفي القول بأن وجود صلة أقوى بين إيران وتركيا من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات بعيدة المدى على الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط.
وقد تواجه واشنطن معسكراً غير ودي –على أقل تقدير- يتشكل سريعاً في المنطقة وتعززه الرعاية الروسية، وسيكون لهذا التطور تأثير على خريطة الطاقة كما أنه قد يضع روسيا في موقع متميز في هذا الجزء من العالم. 

إيران: 
في حين تذهب الولايات المتحدة إلى أنها قد أحرزت نجاحاً كبيراً بإنجازها الاتفاق النووي مع طهران، من الصعب رؤية نجاح استراتيجي يؤدي إليه الاتفاق، ذلك أن إنهاء عداوة ممتدة لأكثر من 35 عاماً مع إيران لم ينجم عنه كسب صديق، بدلاً من ذلك فلقد أدى إلى خسارة أصدقاء في المنطقة. 
تعد إيران أقرب لموسكو منها لواشنطن. من المسلم به أن الإيرانيين والروس يرون الأمور على نحو مختلف، لكن إذا ما ضغطت واشنطن على طهران لسبب ما فإن الإيرانيين يدركون بأن لديهم صديقاً في موسكو، وهم لن يزعزعوا علاقاتهم مع الرئيس بوتين. 
باتت الصورة أوضح، فنحن نرى كيف فقدت الولايات المتحدة الشرق الأوسط وكيف تبرز روسيا كصانعة سياسة أساسية في المنطقة.