سوريا في كتاب "النار والغضب"
فبراير 05, 2018 1270

سوريا في كتاب "النار والغضب"

حجم الخط

سجل كتاب “النار والغضب: داخل البيت الأبيض لترامب” انتشارًا هائلًا لما كشفه عن كواليس الإدارة الأمريكية الجديدة في سنتها الأولى. تجاوزت مبيعاته 400 ألف نسخة، وترجم إلى عدة لغات في فترة قياسية. ورغم تناول الكتاب سيرة فاضحة للرئيس الأمريكي عن سلوكه في البيت الأبيض أو آراؤه التي أسرّ بها في غير مكانها، ورغم النقد الذي وُجّه لأسلوب مؤلّفه في جمع المعلومات، إلا أنّه احتوى تفاصيل تجدر الإشارة إليها عن تعامل الإدارة الأمريكية مع عدد من القضايا الدولية.

تطرّق الكتاب إلى سوريا في أربعة فصول من أصل اثنين وعشرين فصلًا. بدءًا بمواجهة ترامب لمجتمع الاستخبارات الأمريكي واتّهامه بالفشل في مواطن عدّة، وكواليس اتّخاذ قرار ضرب قاعدة الشعيرات التابعة لنظام الأسد، ثمّ تسريب معلومات سريّة إلى الروس، وتقييم خيارات الأطراف الدولية في التعامل مع الإدارة الجديدة. وفيما يلي بيان ذلك من خلال نصّ الكتاب بتصرّف.

الفصل الثالث "اليوم الأول": ترامب في مواجهة الاستخبارات

عمل ترامب في أثناء الحملة الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة على استهداف الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية - الأجهزة السبعة عشر كلها، مثل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، ومكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، ومجلس الأمن القومي (NSC) - على أنها غير كفؤة وكاذبة. وتضمنت أفكاره ضد أجهزة الاستخبارات المعلومات الخاطئة التي قدّمتها عن وجود أسلحة دمار شامل قبل غزو العراق، وما أسماه بالفشل الاستخباراتي للرئيس السابق أوباما في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، ومؤخرًا التسريبات الاستخباراتية بشأن علاقته المزعومة مع روسيا.

بدا ترامب في نقده كأنّه يصطفّ إلى جانب اليسار الذي ما فتئ ينتقد أجهزة الاستخبارات لنصف قرن ماضٍ. ولكن الحال بات معكوسًا الآن، فالليبراليون ومجتمع الاستخبارات باتوا في معسكر واحد في مواجهة دونالد ترامب. كان اليسار في معظمه رافضًا بشدة لموقف مجتمع الاستخبارات تجاه إدوارد سنودن كخائن أفشى أسرار البلاد لموقع ويكيليكس، ووصفوا خطوته بأنّها مبنية على نية حسنة. وفجأة تبنى اليسار المعلومات التي قدّمتها الاستخبارات عن علاقة ترامب الشائنة بالرّوس.

الفصل الرابع عشر “غرفة العمليات”: قرار الرد على الهجوم الكيميائي

قبل الساعة السابعة من صباح 14 نيسان/ أبريل 2017، اليوم الرابع والسبعين من رئاسة ترامب، هاجمت قوات النظام السوري بلدة خان شيخون التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية بالأسلحة الكيميائية. قُتِل عدد كبير من الأطفال. كانت المرة الأولى التي يتطفّل فيها حدث خارجي على رئاسة ترامب. تتشكّل معظم الرئاسات بالأزمات الخارجية، ويُعد أكثر أدوار الرئاسة أهمّية إبداء ردّ الفعل على الحوادث الخارجية. كانت الضجّة التي ثارت حول ترامب في معظمها تدور حول الرّأي الشائع عن عدم رباطة جأشه في وجه العاصفة. وربّما تسبّبت الأزمة الداخلية في البيت الأبيض بطغيان هذا الانطباع عنه لدى الأطراف الخارجية.

ربّما لا يكون حتى هذا الهجوم الوحشي على أطفال في حرب مستمرة منذ زمن طويل كافيًا لإحداث النقلة الرئاسية التي كان ينتظرها الجميع. رغم ذلك، فقد استخدمت هذه الأسلحة من قبل الجاني الذي تكرّر عدوانه، بشار الأسد. هذه الأزمة كانت ستتطلب ردًّا مدروسًا وماهرًا من أي إدارة أمريكية. وفي الواقع، كان تعامل أوباما مع هذه المسألة أقلّ مهارةً في زعمه أنّ الأسلحة الكيميائية خطّ أحمر، ثمّ سماحه بتجاوز هذا الخط. لم تكن غالبية إدارة ترامب مستعدة لتوقّع ردّ فعل الرئيس، أو ما إذا كان سيبدي ردّ فعل أصلًا. ولم يستطع أحد تحديد مدى أهمية هذه الأسلحة بالنسبة لترامب.

إذا كان وجود ترامب في البيت الأبيض مقلقًا إلى حد غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، فإنّ آراءه في السياسة الخارجية كانت الأكثر جهلًا وعشوائية وتقلبًا. لم يعرف مستشاروه ما إذا كان انعزاليًا أو عسكريًا، أو قدرته على التمييز بين الاثنين. كان ترامب متيمًا بالجنرالات ومصممًا على أن شعبًا بقيادة عسكرية متمرّسة سيتبوّأ موقع الصدارة في السياسة الخارجية، لكنّه كره تلقّي النصائح. كان ضد تولي الولايات المتحدة بناء الدول الأخرى، لكنه اعتقد أنّه لا يمكنه أن يتحسّن في بعض المجالات. لم يملك خبرة في السياسة الخارجية، لكنه لم يحترم الخبراء أيضًا. وفجأة ظهر تساؤل كيف سيرد الرئيس على هجوم خان شيخون ومن سيتولى ذلك من إدارة ترامب. 

بحلول منتصف صباح الرابع من نيسان، عقد اجتماع لإحاطة الرئيس بالهجوم الكيميائي. رأى الرئيس ودائرته المقربة من مجلس الأمن القومي - وبينهم ابنته إيفانكا - أن الهجوم فرصة مباشرة لتسجيل اعتراض أخلاقي. كان الحادث جليًا: مرة أخرى انتهكت حكومة بشار الأسد القانون الدولي باستخدام أسلحة كيميائية. كان هناك فيديو يوثق الهجوم، واتفاق بين أجهزة الاستخبارات على مسؤولية الأسد. الوضع السياسي كان مواتيًا: فشل باراك أوباما في الرد عند مواجهة هجوم كيميائي سوري، والآن بإمكان ترامب الرد. أما الخطورة فكانت ضئيلة فالرد سيكون محدودًا. أضف إلى ذلك أن الإدارة ستبدو كأنّها وقفت في وجه الروس وحلفاء الأسد غير الفعّالين في سوريا، الأمر الذي سيسجّل لصالح ترامب محليًّا.

كبير استراتيجيي الإدارة الأمريكية ستيف بانون، الذي بدت مغادرته للإدارة وشيكة للجميع، كان الوحيد الذي عارض الرد العسكري على الهجوم: أبعدوا الولايات المتحدة عن المشاكل العالقة ولا تزيدوا من تورطنا فيها. مثّل الرد العسكري لبانون عودةً للأساليب نفسها التي أدّت إلى الفوضى في الشرق الأوسط. كان بانون في مواجهة مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر، و“جارفانكا” الاسم الذي أطلقه بانون على إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر. وافق ترامب على طلب مكماستر إقالة بانون من مجلس الأمن القومي التي كان سيعلنها في اليوم التالي، إلا أنّ رأي بانون راق له: لماذا ينبغي أن نرد على الهجوم؟ وما الذي سنجنيه من ذلك؟. في مجلس الأمن القومي عصر ذلك اليوم، تحدّث بانون عن وجود هجمات أسوأ من هذا الهجوم: إذا كنتم تبحثون عن الضحايا من الأطفال يمكنكم العثور عليهم في أي مكان، لماذا هؤلاء؟

مع انقضاء اليوم، كانت إيفانكا ودينا باول نائبة مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية منشغلتين بإقناع الرئيس بإبداء رد فعل ليس أقل من عقوبات أو إدانة كاملة لاستخدام الأسلحة الكيميائية أو السيناريو الأفضل: الرد العسكري. كان كوشنر يشتكي لإيفانكا عدم تجاوب الرئيس، وبدا واضحًا له ولمكماستر أن ترامب كان منزعجًا من الحاجة إلى التفكير بالهجوم أكثر من انزعاجه من الهجوم نفسه. أدركت إيفانكا وباول أن الطريقة الوحيدة لإقناع ترامب بالنظر في المسألة هي من خلال الصور لرفضه وحتى انزعاجه من الجداول والوثائق التي يتبادلها مسؤولو الإدارة في العادة، فأعدّتا عرضًا مرئيًا يُظهر أطفال خان شيخون والزّبد يخرج من أفواههم. نجح العرض وأصيب ترامب بالذهول وبدا له أنّه لا يمكن تصور عدم صدور رد فعل من الولايات المتحدة وبات منفتحًا على جميع الخيارات العسكرية.

وفي 5 نيسان، أحاط الجنرال مكماستر ترامب بالوضع في سوريا، وبيّن له أنّ هناك عدة خيارات متاحة أمام الإدارة، وكالعادة أثقل مكماستر ترامب بالتفاصيل، ليظنّ الرئيس أنّه يتم التلاعب به. في النهار التالي، وفي طريقه للقاء الرئيس الصيني في منتجعه “مارالاغو” بولاية فلوريدا على متن الطائرة الرئاسية، عقد ترامب لقاءً لمجلس الأمن القومي بشأن الرد على الهجوم بالأسلحة الكيميائية. كان القرار قد اتُّخِذ بشأن إطلاق الجيش الأمريكي صواريخ توماهوك باتجاه قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لنظام الأسد. أمر ترامب من طائرته بأن يتم الهجوم في اليوم التالي. وفي أثناء لقاء ترامب مع الرئيس الصيني تم الهجوم على قاعدة الشعيرات. كانت لحظة سعيدة أسرّ فيها ترامب لأحد ضيوفه: “هذه واحدة كبيرة”. فريق الأمن القومي بدا مرتاحًا بصورة نادرة؛ فالرئيس الأهوج وغير المتوقع بدا متوقعًا وطيّعًا.

الفصل السادس عشر "كومي": فضح أسرار استخباراتية لروسيا

في العاشر من أيار/ مايو 2017، التقى الرئيس ترامب في مكتبه بالبيت الأبيض عددًا من كبار الشخصيات الروس، من بينهم السفير الروسي لدى واشنطن سيرغي إيفانوفيتش كيسلياك. تمحور اللقاء حول التحقيقات في علاقة ترامب بالروس. وخلال اللقاء قال ترامب: “قمت بطرد مدير الأف بي آي. لقد كان مجنونًا، كان شخصًا أبله بحق. واجهت ضغطًا كبيرًا بسبب روسيا. والآن أزيح كل ذلك جانبًا”.

في أثناء حديثه، كشف ترامب معلومات حصلت عليها الولايات المتحدة من إسرائيل، التي حصلت عليها من عميل لها في سوريا، عن استخدام تنظيم داعش أجهزة لابتوب لتهريب قنابل من خلال الطائرات. كانت المعلومات كافية لفضح العميل الإسرائيلي. زاد هذا الحادث من السمعة السيئة لترامب لدى دوائر الاستخبارات، ففي صنعة الاستخبارات تكون حماية مصدر المعلومة فوق كل الأسرار.

الفصل السابع عشر "محليًا وخارجيًا": تحليل الموقف الدولي تجاه الإدارة

شعر معظم الشركاء المعتادين للولايات المتحدة، وحتى أعداؤها بالاضطراب في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة، في حين رأى آخرون فرصًا جديدة. فقد رأى الروس أن الولايات المتحدة قد تترك لهم أوكرانيا وجورجيا، وترفع عنهم العقوبات، مقابل تخليهم عن إيران وسوريا. وفي أثناء فترة الانتقال الرئاسي (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 - كانون الثاني/ يناير 2017) تواصل مسؤول رفيع من الحكومة التركية مع رجل أعمال أمريكي بارز للاستفسار عمّا إذا كانت تركيا ستحظى بنفوذ أكبر لدى الإدارة الأمريكية إذا ضغطت على الوجود العسكري الأمريكي لديها أو قدّمت للرئيس الجديد موقعًا مميزًا لقصر على مضيق البوسفور.

 عبد الرحمن السراج: باحث في العلاقات السورية الأمريكية

 

الآراء الواردة في هذا المقال تمثل آراء الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز جسور للدراسات